العنف ضد المرأة… متى تنتهي المأساة

إعداد المرشدة النفسية/ رنـدة بركـة
برغم كل ما تذهب إليه الأديان والمذاهب في التأكيد على الرحمة والرأفة بين البشر، وبخاصة ممن يعتبرون في المجتمعات المختلفة فئات مهمشة كالمرأة، وبالرغم إن كل ما حققه الإنسان من تقدم إلا أنه لم يستطع عبر هذا التقدم أن يغير من عقلية هؤلاء الذين لازالوا يعتقدون أن للمرأة مرتبة أدنى منهم، في امتداد لأفكار جاهلية مقيتة. بالرغم من كل هذا، إلاّ أنه ما زلنا نشهد العنف ضد المرأة وعلى مختلف المستويات وبأشكال تتنوع وتتطور يوماً إثر آخر، فالعنف بحق المرأة من الأمور التي تجلب انتباه الكثيرين اليوم ومن مختلف الفئات.؟ ولكن للحين لم نستطع أن نوقف أي نوع من العنف الممارس بحقها ونفس العنف ضد النساء لا يختص فئة معينة أو ثقافة خاصة أو جنس محدد وإنما يشمل كافة الثقافات والدول المتقدمة منها أو ما تسمى بالدول النامية أو دول العالم الثالث.

وبحسب رؤية منظمة العفو الدولية فإن العنف ضد المرأة يلطخ جبين الإنسانية لأنها عقلية رجعية في زمن الثورة التكنولوجية المتطورة فواقع الإنسانية يقول: إنَّ من بين كل ثلاث نسوة في العالم تتعرض واحدة على الأقل في حياتها للضرب و لصنوف أخرى من الاعتداء والإيذاء!! وهناك أكثر من 60 مليون أنثى حُرمن من الحياة فأصبحن كالنساء (المفقودات) في العالم اليوم من جراء عمليات الإجهاض الانتقائية الرامية إلى التخلص من الإناث وجرائم قتل البنات في المهد!! ولا يمر عام إلا وتتعرض الملايين من النسوة للاغتصاب على أيدي الأخلاء أو الأقرباء أو الأصدقاء أو الغرباء أو أرباب العمل أو الزملاء في العمل أو الجنود أو
أفراد الجماعات المسلحة.

ويعرف العنف ضد النساء بأنه سلوك أو فعل موجّه يقوم على القوة والشّدة والإكراه، ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية، ناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، والذي يتخذ أشكالاً نفسية وجسدية متنوعة في الأضرار، وثمة أنواع للعنف منه العنف المباشر أو الغير مباشر بالقول واللفظ والإساءة عبر الكلمات الغير مقبولة أخلاقياً.

لماذا العنف ضد المرأة؟؟؟

لو فهم الرجل إنَّ المساواة من حق الجميع، وإن معادلة الحياة والوجود لن تتكامل وترتقي إلا إذا تساوت المرأة بالرجل حينها لن يمارس العنف ولكن يبدو ثمة عقلية ما تحاول أن تمشي عكس التيار ويمنع لها أي دور طبيعي في الحياة فيحاول قمعها بشتى الوسائل لتبقى دونه، إن هذه الظاهرة وإفرازاتها الكارثية لن تجلب سوى المزيد من العلاقات المتفتتة في بنيان مجتمع يعاني ما يعانيه أساساً من مشاكل اجتماعية مختلفة، ويمكننا أن نعود بأسباب العنف الرئيسية إلى عوامل كثيرة منها المرأة نفسها التي قبلت لأول مرة أن تهدر كرامتها ويهان شعورها واستمرت السكوت على هذا الفعل الغير الإنساني بحقها، ومن ثم عقلية بعض الرجال الذين يرون في المرأة ضلعاً قاصراً غير مؤهل لأشياء كثيرة، فيسعى لتهميشها وتحقير دورها وإهانتها على الدوام ضمن منظومة قيم و تقاليد وعادات اجتماعية خاطئة ستؤثر حتما على تراجع دور المرأة وإبداعها في مختلف مجالات الحياة طالما هناك ثمة فئة تمايز بين الذكر والأنثى، ولا نخفي أيضا إننا لازلنا نعيش حالة تراكم ثقافي متخلف يكرس دونية المرأة، مما يفرز خللا في جو الأسرة عموما وتلقي تلك الأزمة بأكثر أعبائها وثقلها على تزايد العنف ضد المرأة التي ترى نفسها وكأنها المتهمة عن هذه الأزمة لسوء معاملة الرجل لها، وثمة أسباب تعود للخلفية الثقافية التي ترتكز على جهل الرجل بعالم المرأة وعدم معرفة كيفية التعامل معها وبالتالي عدم احترامه لكيانها المستقل وتفكيرها ووجهة نظرها الخاصة، وهذا الجهل ناتج من الطرفين، فجهل المرأة بحقوقها و واجباتها من طرف سبب للإيذاء الذي يلحق بها، وجهل الآخر بهذه الحقوق من طرف ثان مما قد يؤدي إلى ارتكاب تجاوزات بشعة بحقها ناهيكم عن حالة الاختلاف في المستوى الفكري والثقافي بين الشريكين وربما الطبقي مع العامل المهم وهو تدني المستوى الثقافي للأسر وللأفراد ستؤثر هذه العلاقات التي يشوبها الخلل على علاقة الرجل بالمرأة وتماديه في ارتكاب كل أشكال العنف بحقها بالأخص إذا كانت الزوجة تتفوق على زوجها من حيث المستوى الثقافي أو التعليمي سيولد كل ذلك توترا وعدم التوازن لدى الزوج كردة فعل له نتيجة الاختلافات بين وزوجته التي أوردناها، فيحاول تعويض هذا النقص باحثا عن المناسبات التي يمكن انتقاصها واستصغارها بالشتم أو الإهانة أو حتى الضرب.

مظاهر العنف
ليست ظاهرة العنف خاصة بمجتمعاتنا العربية والإسلامية فحسب، فالمرأة في شرق الأرض وغربها لازالت حبيسة عقلية متأخرة حيث يرون إن حريتها هي فقط من خلال ذهابها لميادين
العمل أو الدراسة على مقاعد الجامعة أو خروجها من البيت ولا ينبغي لها المطالبة بشيء غير ذلك فيحتل الرجل الساحة ولا يفسح للمرأة أدنى دور في ممارسة حياتها الطبيعية وتتمحور ظاهرة العنف ضد النساء مادياً ومعنوياً فمن المظاهر المادية للعنف: الضرب والحرق والقتل والاغتصاب والحرمان من الحق المالي أو النفقة، ومن المظاهر المعنوية للعنف: نفي الأمن والطمأنينة وإهانة الشعور والإنتقاص من الكرامة والإقصاء عن الدور والوظيفة والإخلال بالتوازن والتكافؤ و يتم استخدام كافة الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك من الشتم والإهانة والتحقير والإساءة والحرمان والتهديد والتسلّط والإيذاء و قد تصل لحدود التصفية الجسدية، وثمة كثيرون يرون في الأسرة المنطلق رقم واحد في ممارسة العنف وهو أكثر أنماط العنف شيوعاً والناجم عن التوظيف السيئ للقوة تجاه الأضعف داخل كيان الأسرة، وغالباً ما يكون ضحاياه من النساء والأطفال داخل الأسرة، وتشير بعض الإحصائيات في بلدان كثيرة من العالم أنَّ 20- 50% من النساء ممن شملهن البحث قد تعرضن للضرب من قبل الزوج، 33% للصفع 16% للضرب بعصا أو حزام 9% هوجمن بأداة حادة من قبل أزواجهن وبيَّنت 9% أنهن تعرضن للعنف النفسي و52% تعرضن للإهانة والسباب واللغة البذيئة وتسميتهن بأسماء مهينة من قبل أزواجهن، ويصل الأمر إلى حد الأزمة والتي تتطلّب علاجاً جسدياً أو نفسياً كما قالت عينة واسعة من النساء الأمريكيات 22-35% منهن قلن بأنهنَّ قد ذهبن لأقسام الطوارئ في
المستشفيات نتيجة العنف.

ثمة عنف اجتماعي ناجم عن النظرة القاصرة للمرأة كوجود وكدور وكثيرات ممن تعرضن لهذا النوع من العنف في الشارع والوظيفة وكثيرون يستغلون المرأة في الوظائف بالإضافة إلى العنف السياسي حيث لازالت أغلب النساء في مجتمعاتنا محرومة من هذا الحق وتختلف النسبة من بيئة لأخرى وهذه النظرة القاصرة في عدم رؤية المرأة كائناً مؤهلاً للقيادة السياسية وبالتالي سلب حريتها في التعبير عن رأيها السياسي وعدم السماح لها بالمشاركة في صنع
القرار ومنعها من حق التصويت.

وللعنف نتائج
لعل أسوأ النتائج التي يخلفها العنف ضد المرأة إنه يجعل منها كائنا مهزوز الكيان فاقدة للثقة بنفسها واستقلاليتها، مما يدمر إنسانيتها ويشعرها بالعجز على فعل أي شيء هي بالأساس قادرة على فعله، فتعرضها المبرح للعنف يولّد في نفسها هذا الشعور ويؤثر كل ذلك على دورها في المجتمع عمومان فتغيب بالتالي قدرة المرأة المعنفة على كيفية تربية أطفالها الذين قد يرثوا نفس التربية، كما قد تتدهور صحتها وتأزم حالتها النفسية وتصبح انعزالية أو عدوانية، نتيجة الاكتئاب، على خلفية ما مورس بحقها من وسائل عنيفة.
ولعل الحل الأمثل في رحلة علاج العنف الطويلة لن ترى النور إلا إذا تغيرت العقلية الذكورية تجاه المرأة، وعلى المجتمع عموماً أن ينظر للمرأة كإنسان ذو كيان وشخصية مؤثرة وحيوية في المجتمع لها حقوق وعليها واجبات. ولعل العامل الأهم المساعد في تغيير هذه الرؤى المختلفة هي وسائل الإعلام وعليها تقع مسؤولية خلق ثقافة الرفق والرحمة في العلائق الإنسانية الخاصة والعامة، ووقف الصورة النمطية التي تظهر المرأة على أنها دون الرجل مع التأكيد أنه لا يمكن القضاء على العنف ضد المرأة من دون الإرادة السياسية والالتزام على كافة المستويات لجعله ذا أولوية على الصعيد المحلي والوطني والإقليمي والدولي ويتطلب ذلك تشريعات معينة وخطط العمل الوطنية، وتخصيص الموارد الكافية، ووضع آليات لمعالجة العنف ضد المرأة على أعلى المستويات ومعاقبة كل مرتكب لجريمة العنف حتى لا تتحول المسألة أكثر من ذلك إلى نمط معتاد وظاهرة اعتيادية المجتمع هو المحول رقم واحد في تكريس هذا الفكر الذكوري السلبي والمرأة مساهمة فيما لو سكتت على الظلم بحقها.