أضعف الإيمان

أيها الشموع احترقي، أنيري ظلمة ليلنا الطويل، ظلمة الحصار والانقسام والجهل، ولكن نرجوك لا تحرقي فلذات أكبادنا!
تتزايد علامات الاستفهام والتعجب لدى الغزيين الذين يعيشون الظلام منذ ما يزيد على ثمانية سنوات، أزمة انقطاع التيار الكهربائي خلفت ورائها كارثة عرفت باسم (أطفال الشموع) وهم الأطفال الضحايا الذين يموتون حرقا أو اختناقا نتيجة اشعال الشموع للإنارة بدلا من التيار الكهربائي الذي لا يراه البيت الغزي لأكثر من 8 ساعات يوميا في أفضل الأحوال.
مساء الجمعة / السادس من مايو الجاري، لم يكن يعلم المواطن محمد أبو هندي الذي يسكن معسكر الشاطئ غرب غزة أنه سيكون هو وأطفاله الضحية الجديدة لحريق ينجم عن شمعة أشعلتها الأم في حجرة الأطفال لغرض الإنارة، لم تكن الحادثة الأولى فقد سبقها مشهد مشابه قضى به طفلين من عائلة الهبيل، وآخر لعائلة ضهير التي قضت بالكامل إثر حريق اندلع في المنزل ليقضي به ستة هم الأب والأم وأربعة أطفال لم يتجاوز عمر أكبرهم 6 سنوات.
 يسرى (ثلاثة أعوام)، رهف (عامان)، تامر (شهران) كلهم أبناء المواطن محمد أبو هندي قضوا حرقا في مشهد هو الأقسى منذ بداية العام الجاري على الشارع الغزي وذلك جراء اندلاع حريق شب في منزلهم ليلاَ ليلتهم الأخضر وأجساد الأطفال الثلاثة وينتهي باليابس المر، بدأت القصة عندما وضعت الأم شمعة على جسم بلاستيكي لتنير لأطفالها عتمة القبو الذي تعيش فيه العائلة دون أن تعلم أنها ليلة العشاء الأخير، اشتعلت النيران بداية في حجرة الأطفال فقتلت ثلاثة وأصابت آخر ونجا طفل وحيد، بينما أصيب آخرون بالاختناق.
إن أكثر من 25 شخصا قضوا حرقا أو اختناقا خلال الخمس سنوات الأخيرة – جلهم من الأطفال – جراء أزمة امدادات التيار الكهربائي في قطاع غزة، وفي كل مرة تقع حوادث من هذا النوع يتحرك الشارع غاضبا ومناديا بإنهاء أزمة التيار الكهربائي المتفاقمة وتحييد هذا الملف بعيدا عن الانقسام السياسي الداخلي، وفي هذا السياق يدور تساؤل حول ما إذا كانت حادثة الأطفال الثلاثة من عائلة أبو هندي ستكون الأخيرة؟ أم أن غزة على موعد مع أجساد متفحمة أخرى؟
وهل هناك بدائل مؤقتة يمكن تفعيلها تساعد في السيطرة على أزمة الكهرباء بدلا من تقاذف الاتهامات بين أطراف الأزمة وشركة توزيع الكهرباء؟
إن موت الأطفال الثلاثة حرقاَ واصابة آخرين من بينهم شقيق لهم عاد ليطرح ملف أزمة الكهرباء وبقوة في الشارع الغزي الذي بات يفتقر لأدنى مقومات الحياة مع حصار مشدد ازدادت وتيرته بعد عدوان حزيران / 2014، وانقسام سياسي طال عمره لينقص من أعمار الغزيين وأطفالهم بكثرة المشاكل والأزمات.
وعندما يحمل السيد هنية بطاقيته البيضاء في خطبة الجمعة الاحتلال الإسرائيلي وحكومة رام الله المسؤولية عن احتراق الأطفال، فهلا سأل السيد هنية نفسه هل يتحمل هو أي جزء من المسؤولية في احتراقهم؟ أم أن دخان أجسادهم لم يصل إلى بياض جلابيته أو حتى طاقيته؟
وعندما نسمع أن السيد عباس يرفض إمداد محطة الوقود الملعونة بالغاز المشترى من الاحتلال وعندما يصر على ضريبة البلو ليمد هذه المحطة البائسة بالسولار الصناعي، فهل سأل السيد عباس نفسه حقيقةَ هل يعنيه جزء من شعبه في غزة؟ أم أنه يشارك صديقه الراحل رابين في أمنية ابتلاع البحر لها؟
فليخرج علينا السيد عباس ليقدم لنا إجابة مقنعة أم أن أهل غزة هم أبناء البطة السوداء ؟!!
وأين هي دموعك يا سيد الحمد الله عندما زرت غزة، أم أن هذه الدموع تحجرت وجفت فأصابت عينيك بالعجز لترى الحقيقة وتجود على الضحايا – طال عمرك – بعشرة آلاف شيكل وتحويلة علاج؟!!
 إننا في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات نعبر عن سخطنا الشديد لسقوط الضحايا من الأطفال بسبب أزمة نقص التيار الكهربائي، وننظر ببالغ الخطورة الى استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي ونؤكد على أن استمرار الانقسام السياسي سيجلب المزيد من المعاناة والضحايا الأطفال وسيخفض من مستوى الخدمات المقدمة للمواطن الذي يفتقد كثيراَ من حقوقه الأساسية التي تساعده على البقاء والنماء.

 

المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل والنزاعات
10-5-2016