سارة

غزة-وحدة النشر والمعلومات- بقلم مي عمار

هي سارة , تلك الطفلة المرحة , الكثيرة اللعب ابنة العشرة سنوات وابنة الأسرة المتواضعة الحال والمعيشة, سارة المحبة لكل من حولها , التي لطالما حلمت بأن يستمر تفوقها الدراسي كي تحقق حلمها بأن تصبح طبيبة عيون محترفة , تمر الأيام تلو الأيام ويستمر وينمو ذكائها , ولكن كونها فلسطينية الأصل تعيش في قطاع غزة تحديداً في حي الشجاعية , الذي كان يضج بالحياة شوارعه , وأهله وناسه, ولـكـن هل يدوم حال أهل ذاك الحي ؟!!

الحرب الأخيرة على قطاع غزة هي من أعدمت الحياة في ذاك الحي الكبير , قصفٌ ودمارٌ متواصل للمنازل والشوارع والبشر حتى جاء الدور على بيت سارة , ذاك البيت الصغير الذي يعج بالأطفال والنساء والرجال , منهم من هرب إلى بيت العم أبوسارة على اعتقاد منهم أنه بعيداً نوعا ما عن القصف العشوائي , ولكن جاءت لحظة الموت , في صباح ذاك اليوم المشؤوم كانت تنام سارة في سريرها الصغير الدافئ حتى ضُربت تلك القذيفة التي شلت حياة ذاك البيت , هرعت أم سارة لتطمئن على أبنائها ولكن كانت هناك الصاعقة !!!

لم تصدق أم سارة ما رأته عينيها , إنها ابنتها التي تركتها نائمة على فراشها لتعود وترى جسد سارة غارق بدمائه لا تعلم من أين تنزف ابنتها ومن أين يأتي هذا الكم الهائل من الدماء كل ماتعرفه أن ابنتها فاقدة للوعي ولا تستجيب لنداءات أمها ,وأن سارة قد ماتـــــت .

وبدون أي وعي أو ادراك حملت ابنتها بين يديها وسط اطلاق النار الكثيف والقصف المتواصل وأدخلتها في سيارة الإسعاف التي كانت تنتظر على باب منزلهم , وبقيت سارة في غيبوبة دامت يومين كاملين في العناية المشددة كان هذا نتيجة لشظية قد اخترقت أسفل رأسها وبقيت مستقرة , ولكن عندما استيقظت سارة من تلك الغيبوبة , أخبرهم الدكتور أنهم لايستطيعون أن يعالجوا حالة سارة الحرجة , وهنا بدأت معاناة العائلة بأكملها , سارة تحتاج للعلاج وللسفر , ومن هنا أصبح لدى سارة شخصية أخرى .

اختفت تلك الطفلة المرحة واللعوبة , التي لا تكل ولا تمل من اللعب مع إخوتها وأصدقائها ,الأن هي عنيفة في كلامها , تقوم بضرب إخوتها كلما حاولوا أن يتقربو إليها , أصبحت تشعر بأن الجميع يشفق عليها وأنه لا أحد يحبها , سارة التي كانت لا تحب أن تجلس في المنزل , الأن ترفض وبشدة أن تخرج خارج منزلها , ولاتستطيع النوم في سريرها أو حتى أن تجلس في غرفتها , “غرفة الموت” هكذا تطلق إسماً على غرفتها , كانت تأبى أن تأكل تشعر بالاشمئزاز من كل شيئ .

استمر بها الحال هكذا حتى شعرت أمها أن ابنتها سوف تموت وتدمر حياتها نفسياً وجسدياً , حتى جاءت إلى المرشدة نبال التي تعمل في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات , وفي بداية الأمر كانت ترفض سارة أن تقابل المرشدة , ولكن مع الإصرار والزيارات المستمرة بدأت سارة شيئاً فشيئاً تشعر بالراحة مع المرشدة وتعبر عما بداخلها من مشاكل وحزن على ماحصل بها , وسرعان ما أصبحت سارة تطلب من أمها التي كانت لا تتقبل أحداً غير أمها , الأن تطلب من أمها أن تأتي لترى المرشدة وتحدثها من خلال جلسات التفريغ النفسي .

ولكن هل العلاج النفسي كافي في حالة سارة الصحية الصعبة ؟!! ,قامت المرشدة بتقديم المساعدة لسارة كي تستطيع السفر للعلاج ,وعندما وصلت الأردن وتحدد موعد العملية ,جاءت الصدمة بأن نسبة نجاح تلك العملية هي 5% فقط !!! ,فرفضت الأم على الفور إجراء تلك العملية لإبنتها الصغيرة خوفا من فقدانها ,وعادت سارة مرة أخرى إلى أرض الوطن ,وتستمر في العلاج مع المرشدة نبال ولأن أثر العلاج النفسي على سارة كان أقوى فقررت أن تستمر فيه ,وساعدت المرشدة الطفلة كي تتعايش مع اصابتها وتعود الطفلة المرحة ,المحبة للجميع ,تذهب للمدرسة وتدرس وتلعب وتخلت عن أسلوبها العنيف شيئاً فشيئاً , في الختام نتمنى ل سارة العلاج العاجل والتام بإذن الله …

ملاحظة / سارة إسم إفتراضي 🙂