العدالة بين الواقع والطموح

بقلم – المحامي أحمد حسونة:-
كلمة العدالة من أجمل المصطلحات في القاموس عامة في قاموس القانونين خاصة وأجمل ما في العدالة تطبيقها على الجميع فعندها يشعر كل مواطن بالطمأنينة والسكينة . وهذا ما ينشده كل فرد فينا .
ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة يوم أن قال لأسامة ابن زيد عندما تتدخل في قضية المرأة المخزومية التي سرقت فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :
( أتشفع في حدٍ من حدود الله يا أسامة والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
وليس عيب أن نتعلم الصالح من سلوكيات أعدائنا ففي هذا يقول نبينا علية الصلاة والسلام :
( الحكمة ضالة المؤمن أينما يجدها فهو أحق بها .. ) فالمشهد عند اليهود غني بالقضايا والأحداث التي تشهد لهم بحرصهم على تطبيق العدالة فيما بينهم مهما كان شأن المرتكب للجرم فوصل الأمر عندهم إلى محاسبة أكبر رأس في الدولة وإنزال العقوبة بحقه وبحق غيره من الشخصيات البارزة فالحق والحق يقال أن القانون يطبق على أبناء جلدتهم دون تميز أو محاباة وهذا سبب أصيل في قوتهم فالمواطن عندهم يشعر بالاستقرار في هذا الجانب بشكل ملموس وما لهذا الأمر من أثار إيجابية تعود على المجتمع الذي يعيشون فيه

فالعدالة بمفهومها الواسع وصداها الكبير تحتاج للعديد من المقومات والركائز الهامة ليشعر بها كل مواطن فالعدالة ليست شعار يرفع ولا كلمة تردد بل هي سلوك يمارس وأفعال تحقق على أرض الواقع وعليه فأن أردنا أن نرتقي بالعدالة في واقعنا الذي نعيش إلى العدالة التي نطمح إليها فلا بد من أخذ العديد من المسائل بعين الاعتبار وذلك لتصحيح مسار العدالة لتسير في الاتجاه الصحيح ومن هذه المسائل ما يلي :

ـ عدم السماح للاعتبارات الحزبية أو العائلية لتقف عائق أمام تطبيق العدالة على الجميع
فالحق لا يعلا عليه وعليه فالوقوف في وجه العدالة جريمة في حد ذاتها .
ـ عدم إهمال الشكاوي المقدمة من المواطنين مهما كان أمرها وشأن مقدمها فكل المواطنين أمام القانون سواء
ـ التواضع من قبل المسئولين ولا ينسوا أنهم مكلفون بمتابعة هموم وشكاوى المواطنين .
ـ العمل على فهم هموم ومشاكل المواطنين والعمل على وضع الحلول المناسبة لها .
ـ التروي في تعين الموظفين عموماً والعاملين في صرح العدالة خصوصاً سواء في المحاكم أو النيابة ..إلخ
فلا يعين إلا الأكفاء حتى يتفهموا مشاكل المواطنين بسهولة ويعملون على حلها بأسرع وقت وبأقل كلفة .
إلي غير ذلك من المسائل الضرورية التي يجب أن تعطى الاهتمام من قبل الجميع وخاصة أصحاب القرار في بلادنا كي ينعم الجميع بنعمتي الأمن والاستقرار فما أعظمهما من نعمة لو شعر بها المواطن بحق .

وإن للعدالة صور وأشكال متعددة منها  :
*  العدالة القضائية : وأقصد بها أن يكون الجميع أمام القانون سواء لا فرق بين غني وفقير ورئيس ومرؤوس فالقانون يسري على الجميع دون تميز على أن يعطي كل طرف من أطراف الخصوم حقه في إبداء ما عنده من ببنات لإثبات صحة دعواه دون تدخل أو ضغوطات من أي طرف أو جهة كانت على سير العملية القضائية وهذه الصورة من صور العدالة تعتبر من أهمها لذلك فإنها تحتاج إلى متابعة وتقيم مستمرين من قبل جهات الاختصاص 0
* العدالة الوظيفية :-
واقصد بهذه الصورة من صور العدالة أن يكون هناك عدل في تقلد الوظائف فيقدم أصحاب الشهادات والكفاءات بعد عقد الامتحانات والمقابلات وألا يكون للواسطة مكان فهنا فقط نجد الشخص المناسب في المكان المناسب وعندها ستقدم الخدمة للمواطنين على أفضل وجه لأنها ستقدم من قبل موظف صاحب كفاءة وجدير بوظيفته 0
* العدالة القانونية:-
واقصد بها أن يكون القانون المطبق مقبولا ومتوافق مع المرحلة التي نعيش لاكما نلاحظ على العديد من القوانين المطبقة علينا التي أكل الدهر عليها وشرب كقانون العقوبات لعام 1936 على سبيل المثال لا الحصر حيث نجد نصوصه لا تتناسب البتة مع المرحلة التي نعيشها إلى جانب انه قانون من وضع الاستعمار البريطاني بالإضافة إلى أن نصوصه بمجملها تتعارض مع قيمنا وأخلاقنا وشرعنا فمعظم العقوبات المقررة في هذا القانون لا تتناسب مع فظاعة الجرم المرتكب ولاسيما الجرائم المخلة بالآداب والتي تخدش الحياء كجريمة الزنا والاغتصاب والتحرش وغيرها فنجد هذا القانون ينص على عقوبات غير رادعة لهذه الجرائم البشعة والتي يرفضها مجتمعنا بكل قوة فإذا أردنا أن ننعم بصورة واضحة للعدالة القانونية فلابد أن يتناسب القانون المعمول به مع عاداتنا وتقاليدنا وشريعتنا والمرحلة التي نحياها لاكما هو حالنا اليوم0
* العدالة الاقتصادية :-
وأقصد بالعدالة الاقتصادية أن ينعم المواطن برغد العيش ولا يكون ذلك لا بسن القوانين التي تشجع على الاستثمار وإقامة المشاريع وجلب رؤوس الأموال ووضع التسهيلات أمام رجال الأعمال من المواطنين وغيرهم وتخفيض الضرائب بالإضافة لمساعدة الطبقة العاملة في الحصول على عمل شريف ينفقون منه على أسرهم وعندها يلمس الجميع صورة من صور العدالة وهى العدالة الاقتصادية بشكلها الحقيقي 0
كلمةأخيرة : أناشد فيها كل مسئول وصاحب قرار في بلادنا عليكم أن تراعوا المصلحة العليا للبلاد والعباد فالمرحلة تحتاج لكل الأيدي المخلصة العاملة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن .
وفي هذا يقول المولى عز وجل في كتابة العزيز : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ).