أصنع من الليمون الحامض شراباً حُلواً

بقلم المرشدة النفسية شرين البياري

يُروَى أن مزارعا من فلوريدا قد اشترى أرضا ووضع فيها ماله كله وأمله، فلما صارت له وذهب ليراها، أصابته أشد ضربة من ضربات الدهر فتركته مضعضعاً مشرفاً على الانهيار، رآها قفرة مهجورة لا تصلح للزراعة ولا تنفع للرعي، وليس فيها إلا الجحور، والتي يعيش فيها مئات من الحيات والثعابين، ولا سبيل إلى مكافحتها واستئصالها، وكاد يصاب بالجنون لولا أن خطرت له فكرة عجيبة هي أن يربي هذه الحيات ويستفيد منها، وفعل ذلك فنجح نجاحا منقطع النظير، كان يُخرِج سموم هذه الحيات فيبعث بها إلى معامل الأدوية فتستخلص منها الترياق الذي يشفي من هذه السموم، ويبيع جلودها لتجار الأحذية بأغلى الأثمان، وكان يقصده السياح من كل مكان ينظرون إلى أول مزرعة في الدنيا أُنشئت لتربية الحيـــــات والثعابين. ما رأيكم الآن في القدرات الإبداعية لذلك الرجل، والذي حول أرض الحيات السامة والثعابين المؤذية إلى متحف طبيعي حي لمن يريد المشاهدة من السياح، ومكان لإنتاج الجلود الفاخرة، بل وإلى مصنع أدوية لعمل الأمصال الواقية من سموم تلك الحيوانات المفترسة، إن هذا لهو حق التسامي، بل هو عين التسامي. المرونة في التعامل مع المتغيرات من معالم القدوة النبوية في الابتكار والإبداع الفكري تربيته-صلى الله عليه وسلم- لصحابته على حسن التصرف وفقاً للمواقف المختلفة والمتغيرات المتعددة، وذلك أن العقلية المبتكرة والمجددة تتميز بالمرونة في تناول ما يقابلها من أحداث ، ولا تقف جامدة عند رأى معين كما أسلفنا وهذا ما واجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما ترامت إليه الأنباء أن قافلة ضخمة لقريش تهبط من مشارف الشام عائدة إلى مكة تحمل لأهلها الثروة والمال الوفير.. قاصداً من ذلك الغير.. وحينما أحس أبو سفيان الخطر على قافلته استطاع أن ينجو بها من هذا الخطر المحدق.. بعد أن أرسل إلى مكة ليستنفرهم لحماية أموالهم ويستثير حميتهم للخروج في تعبئة ترد كل هجوم.. وهنا انقلب الموقف من العير إلى النفير, حقاً إن المرء قد تصدمه أحداث عابرة وهو ماض في طريقه، يحتاج في مواجهتها لأن يستجمع عزيمته وقواه، وأن يستحضر تجاربه، وأن يقف أمامها مرهف الانتباه، شديد التركيز، وهذه الامتحانات المباغتة أدق في الحكم على الناس، وأدل على قيمهم من الامتحانات التي يعرفون ميعادها، ويتقدمون إليها واثقين مستعدين.. – وهكذا استطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- التعامل مع هذا الموقف الذي تغير من النقيض إلى النقيض برؤية إبداعية فذة.. تناولت جمع المعلومات عن عدد الجيش وعدته.. وتأمين جبهته الداخلية.. وطرح الأمور للشورى.. والاستعانة بالله عز وجل.. واستيعاب الأفكار الجديدة المبدعة في التعامل مع الموقف.