مقالة نقدية لنظرية ميلاني كلاين وبياجيه حول تأويل اللعب عند الأطفال

إعداد الأخصائي النفسي / سائد السرساوي يؤكد جان بياجيه أن اللعب أساس النمو العقلي وتطوره عند الأطفال وحول ذلك يشير أن هناك وظيفتان أساسيتان للتفكير ثابتتين لا تتغيران مع العمر وهما ” التنظيم” ” organizationو التكيف adaptation تمثل وظيفة التنظيم نزعة الطفل إلى ترتيب وتنسيق العمليات العقلية في أنظمة كلية متناسقة ومتكاملة وتمثل وظيفة التكيف نزعة الطفل إلى التلاؤم مع البيئة التي يعيش فيها وينظر بياجيه إلى التكيف على أساس عمليتين متكاملتين هما التمثيل assimilation والاستيعاب أو الموائمة Accommodation فالتمثيل عبارة عن نزعة الطفل لان يرجع أمور من العالم الخارجي في بنائه العقلي أو التركيب الموجود لديه كأن يغير الطفل من صورة الشئ لتناسب ما يعرفه أما الاستيعاب فهي نزعة الطفل لان يغير استجابته لتتلاءم مع البيئة المحيطة به كأن يغير الطفل من تراكيبه العقلية ليواجه مطالب البيئة اى يغير من نفسه ليتلاءم مع المثير الجديد الذي يتعرض له كأن يضفى عليه معنى مما هو متوفر لديه من معاني جاهزة ,ويعزو بياجيه عملية النمو العقلي عند الأطفال إلى النشاط المستمر للعمليتين التمثيل والموائمة حيث يكون الطفل في حالة من التوافق عندما تتوازن عمليتا التمثيل والمواءمة وعندما تكونان في حالة عدم توازن تنشط الموائمة على حساب التمثيل وهذا يؤدى إلى التقليد أو المحاكاة أما في حالة العمل المتوازن للعمليتين فيسود التمثيل الذي يساعد على أحداث التوافق والانسجام بين التعلم الجديد والخبرات في نطاق حاجة الطفل وهذا هو اللعب في نظر بياجيه انه التمثيل الخالص الذي يحول المعلومات المستجدة الواردة لتتناسب مع حاجات الطفل ومتطلباته .وهكذا فاللعب والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية التطور العقلي أو المعرفي وبالتالي يمران في نفس مراحل النمو والتطور التي يمر فيها الطفل ,ونستنتج مما سبق: • أن تحويل الطفل للمعلومات والأشياء لتصبح في ذاته يسمى تمثيل أما التكيف الشئ الجديد مع العالم الخارجي يسمى موائمة أو ملائمة. • إذا توازن التمثيل والموائمة يصبح لدى الطفل توافق وانسجام بين التعلم الجديد والخبرات السابقة في نطاق حاجته وإذا تحقق هذا فيطلق عليه بياجيه اللعب. • عندما تكون العمليتان في حالة عدم توازن تنشيط الموائمة على حساب التمثيل ويؤدى ذلك إلى التقليد أو المحاكاة. أما التأويل فهو ليس تقنية جديدة فقد استخدمته ميلاني كلاين في العلاج النفسي مستندة على مفاهيم التحليل النفسي ودور النزوات العدوانية في توليد القلق والاضطراب عند الطفل ,وركزت في تأويل اللعب على غريزتي الجنس والعدوان ومعاكسة ميول الأنا عند الطفل أثناء العمل التحليلي في الجلسات الأولى على الأقل على اعتبار أنها تتعامل أولا مع البنى اللاواعية حتى تؤمن تدريجيا تحالف الأنا مع المحلل ورفضت ميلانى كلاين إعطاء التأويل تفسيرات عقلية بل إعطاءها معرفة لا واعية ونظريات جنسية تتعلق بنظرية التحليل النفسي وكان الهدف من التأويل بالنسبة لميلانى كلاين هو تحرير الطفل التدريجي من الشحنات العاطفية السلبية , أما المعيار فكان اختفاء بعض الأفكار السلبية التي كان يكررها الطفل، والمؤشر هو حلول أفكار جديدة اثر كل عملية تأويل. أن تأويل اللعب يساعد الطفل على الامتلاك الكامل للمعلومات وهى أساس عملية “التمثيل” وهذا بدوره يؤمن للطفل بعض الارتياح والتكيف وهى أساس عملية الموائمة لان التأويل يلبى حاجة الطفل لهذه المعلومات بذلك يحدث التوازن الذي تحدث عنه بياجيه بين التمثيل والمواءمة مسهلا بدوره تكيف الطفل النفسي والاجتماعي. وتؤكد ميلانى كلاين أن تمثل المعلومات يحدث عند الطفل على مستوى اللاوعي انطلقت ميلانى كلاين من مفاهيم التحليل النفسي لتأكد أن تمثل المعلومات يحدث عند الطفل على المستوى اللاوعي بذلك افترض أن اكتسابها لا يكفى لان يعدل مسبقا سلوكه ويجب أولا أن يحدث التغيير في المجال العاطفي بينما تؤكد الوقائع السيكولوجية عند غالبية الناس أن تمثل المعلومات يحدث على المستوى على المستوى الواعي واللاوعي أيضا؟ والمواءمة كذلك وبالتالي نستطيع المساعدة في عملية النمو النفسي والعقلي للطفل من خلال إحداث التوازن والتوافق بين العمليتين “التمثيل والمواءمة” باستخدام أسلوب تأويل لعب الأطفال بدون الغموض في متاهات اللاوعي وبدون الشرط المسبق لميلانى كلاين وهو وصفة التحليل النفسي وعلاقات النقلة بل أكثر من ذلك اعتماد التفسير العقلي كأداة رئيسية في تأويل اللعب وليس إعطاء تأويلات جنسية على مستوى اللاوعي كما ترى “ميلانى كلاين” لان معاكسة اتجاهات الأنا عند الطفل من خلال تركيز المعالج على معارف ومخاوف اللاوعي الجنسية من اجل تامين تحالف الأنا مع المعالج ,وهنا يعتمد الطفل على المد التأويلي العاطفي اللاوعي من المعالج. التأويل موجه إلى اللاوعي عند الطفل وهو يؤدى بالضرورة إلى إهمال الأنا وبذلك إضعافها حتى تضمن “ميلانى كلاين” تحالف الأنا معها وفق رؤيتها التحليلية أما التجربة العلاجية للباحث فتأكد أن التأويل على مستوى الوعي يضمن استقلالية التجربة الأولى للانا عند الطفل ,وقوتها لان المعالج يخاطب الأنا مباشرة ويدعمها ويجرى عملية التأويل على مستوى الوعي بعلم الطفل وإدراكه وموافقته على التأويل أو رفضه لكن نظرية ميلانى كلاين تعمل على تهميش الأنا على الأقل في بداية العلاج ثم تعمل على تقويته بالتحالف مع المعالج ,اى أن التجربة الأولى للانا هي حالة ضعف ,وكلنا يعلم مدى تأثير التجارب الأولى في حياة الأطفال السيكولوجية.وفيما يلي عرض لحالة يوسف البالغ خمس سنوات والتي تم علاجها بأسلوب العلاج التأويلي للعب وقد كانت الشكوى الأساسية: • خوف من الغرباء • النوم على البطن والقيام بحركات إيقاعية وهز الأرجل بشكل يوحى بالاستمناء • حركات جنسية اتجاه الأم “مداعبات ولمس الأعضاء الخفية تحت الملابس” • التصاق شديد بالأم • سلوك انطوائي • مص الأصبع  التفسير السيكولوجي للحالة: من خلال جمع البيانات عن الطفل يوسف والعائلة تبين أن الأعراض الجنسية التي يشتكى الأهل منها ما هي إلا شكل طبيعي من أشكال التطور الادراكى الجنسي عند الطفل حيث التعبير عن دافع الاكتشاف للوظيفة الجنسية والاختلافات بين الجنسين من خلال قيام الطفل بألعاب جنسية تعبر عن الفضول للمعرفة ,وقد تعامل الأهل مع سلوك الطفل الاستكشافي بتأنيب شديد وإلقاء محاضرات مهيبة بشكل رسمي من قبل الأب وإعطاء معلومات خاطئة ومخيفة للطفل عن نتائج سلوكه ” إذا فعلت كذا لن نحبك هذا العمل عيب وسافل وسوف اقطع يدك إذا قمت به مرة ثانية “.هذا التهديد ترك مخاوف شديدة عند الطفل عبر عنها بالالتصاق بالأم ومص الأصبع والانطواء  العلاج: الهدف الأول: توعية الوالدين بأساليب التربية الجنسية السليمة الية التنفيذ: النقاش,إعطاء المعلومات معيار تحقيق الهدف : استخدام الوالدين طرق تربوية جيدة مع الطفل. مؤشر تحقق المعيار : طرح الوالدين لأفكار وحلول تربوية جديدة. الهدف الثاني: تحرير الطفل من الخوف والقلق. آلية التنفيذ: تأويل لعب الطفل وقد كانت اللعبة المفضلة لدى الطفل في بداية العلاج هي القيام بدور الطبيب وكان الطفل يحاول أن يكشف عن الأعضاء الخفية للدمى وكنت أراقب لعب الطفل وكيف كان الطفل ينظر للدمية التي تمثل الذكر ثم ينظر للدمية التي تمثل الأنثى ويكشف عن ملابسها ويقلبها بين يديه محاولا اكتشاف كامل جسدها مدعيا انه يبحث عن المرض أو ” الوجع ” وقد كنت أقدم التأويل لمضمون اللعب بشكل صريح وبسيط وقريب من الأنا والواقع عند الطفل بدون الخوض في تفاصيل أو تحليلات عميقة وقد زعمت كلاين أن التأويل الذي يقترب من الأنا لا يستطيع إقامة علاقة تحليلية أو تبديد القلق عند الطفل أن التأويل البسيط الذي كنت أقدمه للطفل يتلاءم مع بساطة الطفل ودافعة للمعرفة حيث كنت أقدم تأويل لعبة الطبيب والكشف عن الدمى بتلبية دوافع اللعبة التي كشف عنها تأويلي من خلال تقديم المعلومات مثلا عن اختلاف الجنسيين ” بان الرجال هكذا والنساء هكذا ومثال ذلك ووالدك ووالدتك ” أن هدف التأويل تحرير الطفل من القلق من خلا ل توضيح الغموض وأزالته بمد الطفل بالمعلومات وليس الغوص في متاهات اللاوعي وترك الأنا؟ كما تفعل ميلانى كلاين. كان الطفل يوسف يقلب الدمية ” العروسة” وكنت أقدم التأويل على شكل معلومات تعطى للطفل ” بأن هناك بزره صغيرة موجودة داخل بطن الأم وهناك وقت تكبر فيه البذرة وتصبح طفلا ” هذه المعلومة تعمل كتأويل بسيط للعب الطفل تعدل المعلومات الخاطئة والمضللة التي كان الوالدين يغرسوها في وعى الطفل وتناسب النمو المعرفي للطفل وليس هناك اى داعي للخوض في تفاصيل العملية الجنسية بحجة إعطاء معلومات كاملة للطفل تخاطب اللاواعي وليس الوعي كما تدعى ميلانى كلاين وقد كان ن المؤشر على نجاح التأويلات التي كنت أقدمها للطفل هي زيادة المجال والنشاط اللعبى عند الطفل وعدم تكرار اللعب والانتقال إلى لعبة جديدة، وكانت هذه المرة لعبة المعلمة في الروضة وقد عكست مخاوف الطفل من التهديدات التي تواجهها المعلمة أثناء محاولته القيام بحركات جنسية وقد عملت على تأويل مخاوف الطفل من خلال توضيح دور المعلمة في تعليم الأطفال السلوك الجيد وكنت لا أحاول تأويل الحركات الجنسية التي كان الطفل يمارسها أثناء جلسات العلاج مثل ملامسة أعضاؤه الجنسية بل اكتفى بجذب انتباه الطفل إلى اى نشاط أخر فور حدوث هذا السلوك، لان التركيز عليه يجعل الطفل أكثر اهتماما لمتابعة هذا السلوك. أن التأويل البسيط كان يأخذ صيغة التوضيح لان الوضوح يعطى الطفل القدرة على الامتلاك الكامل للواقع وهذا بدوره يعطى الطمأنينة والهدوء النفسي للطفل. معيار نجاح الهدف الثاني: اختفاء بعض السلوكيات الجنسية التي كان يكررها الطفل. والمؤشر : حلول سلوكيات جيدة وأفكار جديدة عند الطفل.  اعتبارات هامة في تأويل لعب الأطفال: • يجب أن يأخذ التأويل بعين الاعتبار تكرار أشكال معينة ومواضيع معينة من اللعب. • يجب أن يأخذ التأويل بعين الاعتبار الأفكار المرتبطة باللعب. • يجب أن يأخذ التأويل بعين الاعتبار الانفعالات المرتبطة بأشكال معينة من اللعب. • مراعاة خصائص النمو المختلفة أثناء عملية التأويل. • يجب إعطاء التأويل المناسب في اللحظة المناسبة وبشكل فوري. • يجب أن يكون التأويل شامل لسلوك الطفل وليس جزئي ومفصل. • استخدام التأويل كموجة لسلوك الطفل نحو أفكار جديدة أو سلوك جديد. • يجب تعليم الطفل تأويل سلوكه من خلال طرح الأسئلة على الطفل حول مواقف معينه. • يمكن استخدام أساليب علاجية أخرى مع العلاج التأويلي للعب. • لا تحاول إعطاء تأويلات أعمق مما يوحى به سلوك الطفل في الواقع لأنه سيكون غير قادر على تمثله • استمر في إعطاء التأويلات حتى لو صادفت مقاومة من الطفل لتلك التأويلات. • يمكن للمعالج القيام بدور تربوي أثناء العلاج. • ضع في غرفة العلاج كمية كبيرة من الألعاب واترك للطفل حرية الاختيار.  المراجع: • احمد بلقيس، توفيق مرعي، سيكولوجية اللعب، دار الفرقان- عمان- 1982. • روبرت هنشل وود، وآخرون، ميلاني كلاين، المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة- 2004. • موريس شربل، التطور المعرفي عند جان بياجيه، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر- بيروت- 1986 . • ميلاني كلاين، التحليل النفسي للأطفال، دار الفكر اللبناني- 1994 .