زحمة يا دنيا زحمة – زحمة ولا عادش رحمة

كلمات تغنى بها احد الفنانيين الشعبين المصريين ليعبر عن حالة الفوضي و الزحمة في مصر ، كان يريد ان يقول ان الزحمة مست كل شئ ، حتى عواطف الناس فغابت الرحمة وغابت الشفقة من قلوبهم . كنا نردد هذه الكلمات بشئ من السخرية و النقد كلما مررنا بزحمة في احد الميادين في غزة ، ولكنا اليوم وبكل حسرة نقولها امام حالة من العنف الامسبوق في مجتمعنا ، امام وحشية ادمية اقل ما يمكن ان نقول عنها يا لظلم الانسان لأخيه الإنسان ، حين يصير المرء أبشع من الشيطان . ربما لا نستطيع بكل ما اتينا من بلاغة و مصطلحات قديمة وحديثة ان نوصف ما كان يدور في خاطر ضحية الاخوة و الميراث اذا جاز التعبير ، حين زارها فريق الدعم النفسي في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات في مستشفى الطب النفسي لنجدها تجلس على شكل الجنين وتمسك في يدها بيضة تحاول ان تأكلها كما هي دون ان تقشرها . لا تستغربوا فهذا ما تعرفه وهذا ما تعلمته بالفطرة اثناء فترة اعتقالها القسري لمدة تزيد عن 14 عاما بقرار من محكمة الاخوة ، وبتهمة انها أمراة لا تستحق ان تحصل على حقوقها، ولا تستحق ان تعيش كالاخرين لانها طالبت بحقوقها من ميراث أبيها. كل جريمتها امام محكمة الاخوة ، انها قالت اريد حقي ، فوقف القاضي و الجلاد و الحضور وحكموا عليها جميعا بالنفي و الموت البطئ وشهد الجميع على الجريمة ووقعوا عليها بخاتم صلة الرحم ، ووضعوا الضحية وديعة عند من يسمى اخوها وبالتالي وفر لها خم للدجاج لتعيش فيه ، حيث استكثر عليها السدة لان ابنته احق منها . الي هنا لم تنتهى القصة بل كانت البداية لرحلة معاناه دامت اكثر من 14 سنة غابت فيها الفتاه عن العالم و عاشت عالمها الخاص بين الخردة و بقايا القطع القديمة التي ترميها العائلة في المخزن و التي شكلت عائلة الضحية ورفيقاتها طوال الفترة ، حيث اصبح هناك تشابه كبير بين ملامحها و ملامح السرير القديم و لوح الخشب المرمي باهمال في زاوية الخشة . بلوزة صيفية كانت صديقتها في كل الفصول، مبللةً بكل الخوف والمعاناة منذ أكثر من أربعة عشر عام. أناملها التي تيبست بفعل البرد، وزنها الذي لا يزيد عن 20 كيلوا استطاعت ان تجمعها خلال الأربعة عشر عاما، فأصبحت بحجم الطفل الصغير المتقوقع حول نفسه. أربعة عشر عاما عاشت فيها الضحية معزولة عن العالم لا تعرف سوى صوتها و لا ترى سوى بعض الوحوش الذين يأتون في بعض الاحيان ليتأكدوا من موتها ، ولكن ارادة الله ورحمته كانت اقوى منهم جميعا ، وعاشت الضحية وانكشف الامر لتبقى صرخاتها التي شكى منها الجيران كثيرا لعنة تطارد الجميع دون استثناء . لعنة على الوحوش وعلى الحكومة الغائبة وعلى المجتمع المدني بكل الوانه واطيافة ،. اين كانوا وما هي وظائفم وما هو دورهم ؟ هل لأن تعداد قطاع غزة أكثر من مليار نسمة مثلاً؟ أم أن مساحة قطاع غزة ملايين الكيلومترات؟ أم أن صاحب المولد قد حفظ الأمن والأمان في بيته فخرج مطمئناً على كل فرد من أفراد عائلته؟ ولا يعنيه بيوت الرعية ، أين دور مؤسسات المجتمع المدني الذي تطالب بوقف العنف ضد النساء؟ هل قصرت يد العدالة في التصدي لمجرم أباح المحرمات؟ أم ضعف نظر الكاميرات فلم تستطع أن تغطي الأحداث كاملة وهى التي تجري وراء مصائبنا و فضائحنا ؟ كثيرة هي التساؤلات التي قرأها فريق المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات في عيون أحد ضحايا المجتمع بل ضحايا العادات والتقاليد البالية . تساؤلات كثيرة نضعها امام المسئولين و ذوى الضمائرمنهم ونصرخ فيهم ان افيقوا من نومكم وتحملوا مسئولياتكم حتي لا نصدم مرة اخري بضحية اخرى وما اكثرهم للاسف ، وان كنتم لا تعرفون عمن نتحدث فراجعوا صفحات الصحف وانظروا في صفحات المجتمع لتعرفوا قصة الفتاة الغزية التي حبسها أخوها أكثر من 14 عاما لينفرد بميراثها من ابوها . ويبقى السؤال الاخير ، ما هو عقاب كل من ساهم في هذه الجريمة و هل سنفاجأ غدا باطلاق سراحه بكفالة لأنه القانون ينص على ذلك ، ونجد من المبررات القانونية و الاجتماعية ما يسوقه علينا جهابرة القانون و رجالاته في ظل غياب قانون يضمن ويحمي حقوق العديد من الضحايا .