غسل العار أم قتل روح البراءة؟
القتل على خلفية الشرف..لا شيء يشفع للضحية
قصة حقيقية
خاص بالحملة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة
المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات بالشراكة مع شبكة المنظمات الأهلية .
زين عسقلان- نابلس
لم تكن ليلى إلا فتاة بريئة لم تعرف من طفولتها إلا لعبا ولهوا مع بنات الجيران ولم تفكر يوما إلا بدمية شقراء الجدائل ابتاعتها لها أمها لترافقها أثناء نومها, ولم يتوقع أحد أن حياتها تلك المليئة بالبهجة سوف تنتهي بالقتل..
ليلى ابنة ال 16 عاما, كما اعتادت بابتسامتها النقية ودعت زميلتها وذهبت إلى منزلهم, إلا أن احد الشبان ويبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عاما, قام باختطافها ووضع على فمها مادة مخدرة حتى غابت عن الوعي واصطحبها في سيارة جيب إلى مكان خارج القرية.
شاهدة عيان
صديقة ليلى التي ودعتها منذ لحظات كانت هي الوحيدة التي سمعت صراخها لحظة اختطافها, لكن بيت ليلى كان كباقي البيوت الريفية الأخرى في القرية, معزول وبعيد عن باقي المنازل فلم يسمعها احد آخر.
وتقول صديقة ليلى التي ودعتها حينها:” سمعت صراخ ليلى وكانت على مقربة من بيتها لكني لم أتوقع أنهم خطفوها, لم يكن هناك أحد في الشارع حينها.”
وتتابع:” كانت ليلى قد أخبرتني قبل أن تتركني انه لا يوجد احد في البيت لان والدتها في زيارة لبيت جدها في قرية أخرى ووالدها في العمل.”
وبحسب ما أفادته الشرطة في قسم الجنايات, فقد قام الشاب باغتصاب ليلى ومن ثم رماها في منطقة مليئة بالأشجار الكثيفة قرب موقع الجريمة وهي ما تزال حية, وكانت الجريمة قد ارتكبت بالقرب من أحد المصانع بمنطقة بعيدة جدا عن القرية..لكن القدر شاء أن يكون صاحب المصنع الذي ارتكبت الجريمة بجانبه قد سمع صراخ الطفلة فهرع إلى المكان وكان الشاب قد لاذ بالفرار, وبحسب ما أضاف قسم الجنايات أن الفتاة حينها نطقت ببضعة كلمات ساعدت صاحب المصنع على التوصل لأهلها وبيتها حيث كانت منهارة تماما..
فقدت عذريتها
حالة من الترقب والذعر اعترت العائلة, وشابهم شيء من التوتر والقلق فقد غابت ليلى طيلة يوم كامل, ولم تترك العائلة مكانا إلا وبحثت فيه عنها..
وعندما وصل صاحب المصنع بالفتاة إلى بيتها وكان هو والطفلة بحالة نفسية سيئة جدا, تفاجأ الأهل بالحادث بعد أن كانوا هم أيضا في وضع سيء حيث قام الوالدان بالسؤال عنها في المستشفيات, وعند الأقارب والجيران, وأبلغوا الشرطة, , وما إن دخل الرجل ومعه الفتاة إلى بيتها أغمي عليها على الفور..فاتجهت العائلة إليها وأخذت إلى المستشفى بسرعة.
و متحدثا إلينا يقول الطبيب المعالج:” أحضروا إلي الطفلة وهي بحالة سيئة فقد كانت تعاني من نزيف حاد جدا, وكان من الواضح أن احدهم مارس معها الجنس بطريقة وحشية أفقدتها عذريتها لكننا استطعنا استدراك الوضع داخل غرفة العناية المكثفة حيث قمنا بإجراء اللازم لها ومساعدتها أيضا على الاستيقاظ, وكان من الصعب جدا أن اخبر العائلة بما حدث.”
ويضيف:” وبعيدا عن أي انفعال, طلبت أن أتحدث إلى والدها على انفراد, عله يتفهم الوضع, وأخبرته أن ابنته قد اغتصبت وفقدت بكارتها, وأخذت بتهدئته لكنه اخذ بالصراخ, واخذ يردد ماذا فعلت بحياتي ليلحق بي العار؟”
وبعد أيام قليلة خرجت ليلى من المستشفى وكانت قد فقدت نطقها بشكل فاجأ الجميع فلم تستطع أن تقص ما حصل, ولم تستطع أن تعبر عن انفعالها إلا بالبكاء وكانت ترفض أن يقترب منها أحد كأبيها أو أخيها أو أحد أقاربها الذكور.
شرف العائلة
عار, فضيحة, جريمة يجب دفنها, بهذه الكلمات عبرت العائلة عما حصل ولم يلتفت احد إلى ليلى الطفلة المظلومة التي فقدت مستقبلها بسبب نزوة شريرة من احد الشباب, لم يعمل احد على مساعدة ليلى إلا أمها التي أخذت بالدعاء لها باستمرار..
الجريمة التي خلفت لليلى وأهلها عارا على حد تعبيرهم جعلت من جميع الأقارب يقفون موقفا سلبيا مما حدث وطالب الجميع بإبعاد الفتاة عن البلد, إما بتزويجها للشاب الذي اغتصبها أو لأحد أقاربها للستر عليها.. لكن أين هو المجرم؟لقد لاذ بالفرار, وطالب بعضهم بإبعادها بأي طريقة عن القرية.
ويذكر أن عائلة ليلى هي عائلة بسيطة, غير متعلمة أو مثقفة حيث كان الجميع ينظر إلى ليلى على أنها الفتاة المميزة داخل العائلة والتي علقت عليها آمال كثيرة إلا أن جهلهم أفقدهم الإحساس بالحنان عليها أو حتى الشفقة على حالتها فالذنب ليس ذنبها, بينما كان موقف الأم مختلف تماما فطلبت من الأب التعامل مع الموضوع بكامل العقلانية وان لا يتهور لفعل أي شيء, الأم التي تحمل قلبا دافئا حدثتنا بما حدث بعد إصرار شديد منا, وأخبرتنا بأنها كانت تدرك مدى خطورة الوضع لكنها أرادت أن تقف إلى جانب طفلتها وان لا تلق بها إلى مصير مجهول, لأنها طفلة ومن حقها أن تعود لتعيش طفولتها بكل ما فيها من فرح ولعب ودراسة.
وتتحدث الوالدة:” حاولت أن أهدئ من الوضع لكن اخو ليلى الكبير كان عصبيا جدا وكان يدعو زوجي دائما إلى التخلص من هذه الفضيحة فسوف تلحق العار بنا وحاولت منعهم مرارا أن يقتربوا من ابنتي,لكن………”
قتل العار
لم تشفع الحالة السيئة لليلى أن تبقى على قيد الحياة, ولم تستطع الدفاع عن نفسها أو حتى تنبس ببنت كلمة بأنها لم تذهب بإرادتها, و بالرغم أيضا من تشخيص الطبيب الذي قال بان الفحوصات أشارت إلى انه تم تخديرها مما اثر عليها بشكل سلبي إضافة إلى الحادثة.
الصدمة التي لحقت بكل من حولها وخاصة الأب والأخ نزعت من قلوبهم الرحمة فكان همهم الوحيد التخلص من العار بأي شكل, وبحسب والدتها التي أضافت أن اخذ الأخ الفتاة ليلا بحجة انه سيأخذها في مشوار بسيارته كي تستطيع الخروج من الحالة النفسية الصعبة التي تعانيها, واقنع الأخ الأم بذلك ولحق به الأب وعاد الأخ والأب إلا أن ليلى لم تعد معهم فقد قتلها أخوها على بتدبير من والدها في حلكة الظلام وعتمة الضمير وألقى بها في مكب للنفايات في منطقة بعيدة جدا عن مسكنهم.
وتتابع الوالدة التي اختلطت كلماتها بدموع الندم والألم:” لقد تبرأت من ابني القاتل أمام الله, أشعر بالذنب واللوم بشكل مستمر, أتمنى لو لم اسمح له بأخذها مني, أتمنى لو قتلت أنا ولم تقتل ابنتي ليلى, ابنتي بريئة والله يعلم ذلك, اعلم أنها قتلت زورا, ولقد طالبت بإنزال أشد العقوبات به لأنه لم يرحم أخته المظلومة..”
الرجاء إيقاع اشد العقوبات بالجاني
وبحسب ما حدثنا به ضابط الأمن المسئول عن ملف القضية في الشرطة:” لقد تم حبس الابن وذلك بناء على قانون العقوبات الوارد لدينا وقمنا أيضا بحبس الشاب الذي اغتصبها مدة 25 عاما و أجبر الأب على دفع غرامة كبيرة وأيضا حاولنا قدر الإمكان أن نبقي على القصة في إطار العائلة لان المجتمع بشكل عام والمجتمع القروي بشكل خاص لا يتفهم مثل هذه الحالات.”
ويقول الطبيب الشرعي الذي شرح الجثة:” بعد أن قمنا بتشريح الجثة تبين أن الطفلة قد طعنت بسكين حاد عدة طعنات في الصدر والبطن وأيضا كانت أجزاء من الجثة متفحمة بعض الشيء, فقد كانت هناك محاولة لحرقها بعد أن طعنت, وبحسب ما توصلنا إليه في التشريح فالجثة تم حرقها في تمام الساعة الحادية عشرة ليلا.”
ليلى التي كانت طفلة, لم تعرف من حياتها إلا شيئا من اللهو والدراسة وسرعان ما أدركت ظلم الدنيا فلم تعد تعرف سوى لون كفنها, وغدت عند بارئها حيث العدالة التي بقيت مرفوعة في السماء.