آليات ومعايير تشخيص النساء ضحايا العنف

بقلم /أحمد أبو عايش ، مدير فرع نابلس
دائرة الحدث العنيف
هي دائرة مغلقة وتتسع مع تكرار الأحداث العنيفة. وهي تؤثر على الضحية بعده مراحل. تبدأ هذه الدائرة بأحداث بسيطة تتعرض لها المرأة في لصدمة مما يحدث لها من أحداث، ولذلك فهي تستخدم وسائل مختلفة للتعامل مع العنف الموجه ضدها عن طريق تغيير تصرفاتها معتقدة أنها السبب في العنف الذي يحصل لها. تبدأ أحداث هذه الدائرة بشكل تدريجي وتتسارع وتيرتها وأحداثها إلى أن تصبح واقعة بكل مراحلها كل يوم وعلى اكثر من مرة أو من حادث في اليوم، لذلك سوف نتعرف على مراحل هذه الدائرة من خلال تسلسل الأحداث وإعطاء بعض الأمثلة.

الأحداث التي تمر بها المرأة والرجل خلال مراحل دائرة الحدث العنيف:
1. مرحلة التوتر: بداية ظهور العنف وازدياد
2. مرحلة الانفجار: يزداد العنف حده وتزيد الإساءة الجسدية والنفسية والجنسية.
3. مرحلة “شهر العسل”: يتأسف المعنف عن أفعاله يتودد ويتعهد ويعد بعدم تكرار ذلك.
المرحلة الأولى “مرحلة التوتر”:
المـرأة:
• تتعرض إلى بعض مواقف العنف البسيطة مثل: (ضربة خفيفة، كف، شتم، صراخ، وبفترات متباعدة)
• تحاول أن تهدئ الزوج أو تبتعد عنه بهدف التغلب على مواقف العنف التي تتعرض لها. مثال: (إذا كان الرجل عصبي فتحاول أن تبتعد عنه وأن لا تصطدم به مع هذا يحدث العنف لأنه يتعقد إنها تطنشه وتستفزه أو أنها لا تسأل ما الأمر أو ما به وإذا سألت واهتمت به يمكن أيضاً أن تتعرض للعنف أنه معصب ولا يريد أحد أن يكلمه) فهي في حيرة تحاول أن تتجنب المواقف التي تعرضت لها وأن تغير تصرفها كي ترضيه وتقلل من التعرض للعنف.
• تتصرف بحذر، وتكون لطيفة ومطيعة، مثال: (تحاول أن تخفف من الاحتكاك معه تخاف من غضبه غير المبرر، تختصر وتحاول أن تستجيب لطلباته حتى لو كانت غير راضية).
• تقبل عنف الرجل، تقتنع بأنها تستحق الضرب. مثال: (مع تكرار إحداث العنف يحمل الرجل المرأة الذنب بأن تصرفاتها تدفعه لضربها، وأنه سيربيها ويلقنها درساً).
• تنكر إنها تتعرض للعنف. (يكون من الصعب على المرأة أن تصدق ماذا يحصل لها من عنف وربما لأنها اختارت شريك حياتها أو تحدث من أجله أو تزوجته تعد قصة حب طويل وتزوجت مجبرة رغماً عنها، فعندما تكتشف العنف يكون من الصعب عليها التصديق أو الاعتراف بوجود العنف لأن المجتمع سيذنبها على اختيارها ويحملها المسؤولية، وبالتالي تحاول أن تسيطر على الوضع ولا تخبر أحد بما تتعرض له من عنف).
• إيجاد التفسيرات المنطقية لتصرف زوجها العنيف، مثال: (عندما أغلقت باب الخزانة عملت ضجة وهذا خلا زوجي يصحا وقام منكد ).
• تسيطر على العوامل الخارجية كي لا تثير غضبه، مثال: (تنبه على أولادها بعدم إحداث ضجة أو تربيت البيت أو تحضر له ملابسه أو تعد الأكل الخ…).
• تغير تصرفاتها لإرضاء الرجل العنيف، مثال: (نقطع علاقتها بصديقة ما لأنها لا تعجب زوجها تمتنع عن زيارة أهلها لأن هذا يغضب زوجها، تغير طريقة لباسها).

المرحلة الثانية “مرحلة الانفجار”:
الرجـل:
• تتزايد حدة العنف لديه. مثال: إذا كان يحدث العنف مرة بالشهر فالشهر فأحداثه تزايد إلى مرة كل اسب وعين أو مرة كل أسبوع أو أكثر من مرة باليوم)
• يعي الرجل العنيف بأنه ممكن أن يغير تصرفاته.
• يحاول خلق المبررات لنفسه بان يستخدم العنف، مثال: (سيربيها أو يلقنها درساً أو ما بتفهم عنيد).
• يتوقف عن ضربها عندما يشعر أنها تعلمت الدرس.
• المرأة: صعب عليها أن تتنبأ متى سيحدث العنف، مثال: (هي حاولت بكل الطرق ولكنها لم تنجح في أن توقف العنف لذلك كل ما تفعله وكل ما حاولت أن تفعله لتخفف من العنف لم ينجح لذلك هي تشعر بالخوف كل الوقت لأنها لا تعرف متى سيحدث).
• تعاني من الضغط والتوتر والخوف وقلة النوم أو كثرته، والاكتئاب، وآلام في المعدة وأوجاع في الرأس.
• أن إنهاء هذه المرحلة متعلق بالرجل، مثال: (إذا اعترفت بعنفه وتوجه للعلاج).
• المرأة في هذه المرحلة عليها الاختباء أو الهرب من الرجل العنيف للحفاظ على سلامتها، مثال: (بهذه المرحلة تكون المرأة في خطر والرجل العنيف يهددها بالقتل مثلا أو بالأولاد وممكن أن يفذ تهديده لها أو يقتلها فهذه مرحلة خطرة وعلى المرأة أن تلجأ لمن يحميها ويساندها).

المرحلة الثالثة “شهر العسل “:
• يشعر الطرفان برغبة وقبول في تسوية الأمور.
• يظهر الزوج حبه للزوجة ومعاملته اللطيفة لها وشراء الهدايا تعبيراً عن حبه لها.
• يتعامل الرجل العنيف بشكل ايجابي مع زوجته.
• يحاول أن يعوض الزوجة عن تصرفاته السلبية، ويعدها أنه لن يكرر أفعاله ويطلب منها السماح.
• يولد هذا التصرف في نفس المرأة الأمل بأن زوجها سوف يتغير مما يشجعها على البقاء معه.
• قد تستمر هذه الحالة عدة ساعات إلى أسبوع أو شهور وهذا متعلق بتطور دائرة الحدث العنيف.
• تعود العلاقة إلى المرحلة الأولى ثم الثانية “وشهر العسل ”
• وهذه الدائرة لا تنتهي إلا بوضع حلول جذرية أو بحدوث مأساة.
نظرية القوة والسيطرة
تطرح هذه النظرية وجهة النظر التي تفيد بأن الحاجة للقوة والسيطرة هي وراء للاعتداء مهما كانت إشكاله. وأن تلك الحاجة للقوة والسيطرة نابعة عن ضعف وفشل لذا الشخص العنيف، وعن عدم قدرته على مواجه الحقيقة والتي لا تعطيه مبرر أو لا تكسبه الحق في استخدام قوته وسيطرته تجاه أي مخلوق آخر.
وهذه النظرية توضح لنا بشكل ملموس الأساليب التي يستخدمها الرجل العنيف لبسط القوة والسيطرة بشتى الإشكال تجاه الضحية والتي تتمثل غالباً في الزوجة أو الأخت أو الابنة أو الحبيبة أو الأطفال. …الخ أو أي جهة متوقع منها أن تكون خاضعة ومطيعة لأصحاب القوة في المجتمع.
حسب هذه النظرية يستخدم الرجل العنيف عدة أساليب تجاه الضحية التي يعتدي عليها تتضمن:
1. أسلوب التخويف: يهدف إلى تخويف الضحية عن طريق النظرات أو القيام بتصرفات أو حركات من شأنها أن تخيف مثل الصراخ أو تخريب الممتلكات والأثاث أو استخدام التهديد بأشكاله المختلفة.
2. أسلوب الإساءة العاطفة: يهدف إلى تحطيم نفسية الضحية ويجعلها تشعر بعدم الرضي والاستياء بنفسها، ومن خلال وصفها ومناداتها بألقاب سيئة وجعلها تشعر وتشك بأنها مجنونة، وإهانتها وإذلالها وإشعارها أنها مذنبة واستخدام حيل وألاعيب مثيرة لأعصابها.
3. أسلوب العزل: يهدف إلى السيطرة على مجرى حياة الضحية. من خلال عزلها عن الحياة الاجتماعية، أو تحديد علاقتها الاجتماعية ومنعها من زيارة القريبين لها، وإقناعها أن هذا العزل لمصلحتها أو ناجم عن الحب الشديد لها والغيرة عليها، ومع الوقت تصبح الضحية منعزلة اجتماعياً وممنوعة من التصرف بأموال وموارد الأسرة حتى تبقى اتكالية ومرتبطة بالزواج.
4. أسلوب التجاهل واللوم: يهدف إلى الاستخفاف بالأمور التي تقوم بها الضحية وبأفكارها وأحاسيسها وعدم احترام مشاعرها عندما تكون مزعجة أو متضايقة وتجاهل الاهانة التي سببها لها أو تجاهل وجود ها مع إلقاء اللوم عليها بأنها هي التي تدفعه للتصرف على هذا النحو.
5. أسلوب استغلال الأطفال: يهدف إلى جعل الزوجة تشعر بالذنب تجاه أطفالها واستغلال الأطفال للضغط عليها لتلبية رغبات الزوج أو لأن يكونوا وسيلة اتصال بين الزوج وزوجته. وفي بعض الأحيان ,يلجأ الرجل للتهديد بحرمان الزوجة من أطفالها إذا عصت أوامره.
6. أسلوب فرض الرجولة: يهدف إلى التعامل مع الزوجة بدونية وكأنها خادمة واتخاذ جميع القرارات المهمة في البيت دون إعطاء الأهمية لرأيها، ويتصرف الرجل على أنه السيد في البيت أو “ملك القصر”، ويحدد دوره ودور الزوجة تبعاً لذلك، فمثلاً يقرر أن على الزوجة البقاء بالبيت حسب الدور التقليدي الذي يرسمه المجتمع لها كأم وراعية للشؤون البيتية الداخلية من تنظيف وطبخ، وبالمقابل يحدد دوره على أنه المعيل وبالتالي السيد وصاحب القرار في كل الأمور.
7. أسلوب التبعية الاقتصادية: يهدف إلى منع المرأة من العمل وأخذ راتبها الشهري منها إذا كانت تعمل وإعطائها مصروفاً محدوداً للوازم البيت فقط، مما يجعلها معتمدة اقتصادياً على الزوج. وغالباً ما يصاحب هذا الشكل من السيطرة حرمان الزوجة من أية فرصة تساعدها على تطوير معرفتها أو المشاركة في إدارة اقتصاد البيت أو شؤون الأسرة.
8. أسلوب الإرغام والتهديد: يهدف إلى إرغام الزوجة على القيام بتصرفات لا ترغبها وتضايقها، والتهديد بتركها أو بالانتحار، أو إرغامها على القيام بأفعال غير مشروعة وتهديدها بالقيام ببعض التصرفات كضربها أو ضرب الأطفال وتهديدها بنشر الشائعات عنها إذا لم تنصاع للأوامر.
الصدمـة
هي ما يحدث لأي إنسان يتعرض لتغير مفاجئ، مما يحدث تغير على مجرى حياته اليومية، ويخلق عدم التوازن كرد فعل آني، يفقد من خلاله الشخص استخدام مهاراته التي اعتاد على استخدامها بالسابق مع أي مشكلة كانت تواجهه.
تحدث الصدمة نتيجة:
1. التعرض لتجربة مباشرة. (اغتصاب، تحرش جنسي، عنف)
2. التعرض لسماع أخبار متعلقة بالآخرين.(موت، طلاق، خيانة، ضرب)
ردود الفعل الناتجة عن الصدمة:
1. ردود فعل جسدية: عدم التصديق، الشعور بالهرب أو عدم القدرة على إعطاء أي رد فعل، حيث يفرز الجسم مادة الأدرينالين، مما قد يحدث التقيؤ، خفقات سريعة للقلب، تصبب العرق، مرجفات، توتر، هذه الحالة لا تستمر لفترة طويلة، وبعدها يشعر الشخص بالإرهاق، شعور بالمرض، انعدام الشهية…
2. ردود فعل عاطفية: ردود الفعل العاطفية تحدث أزمة تكون متدخلة أو متكررة مع بعضها البعض ولها عدة مراحل:
• المرحلة الأولى: وتكون على شكل الهستيريا والحركة الزائدة أو الاندهاش وعدم الحركة والاكتئاب. وهنالك نوعان من هذه الردود:
– كبت المشاعر وعدم التحدث عتها مما يؤدي إلى فقدان الثقة بالمحيطين أو كوسيلة دفاعية للتغلب على الحدث.
– التعبير عن المشاعر وينعكس بانفجار الأحاسيس، الغضب أو الخوف، أو بالخجل أو بالقرف.
وتنتج عنها المشاعر التالية:
التعبير عن المشاعر كبت المشاعر
التوتر عدم الحركة
البكاء أو الصراخ أو الضحك نبض سريع أو خفيف
الارتجاف والتوتر الجسماني تصبب العرق
شد اليدين ضغط دم منخفض
النشاط الزائد وجه شاحب
التلقي الغثيان أو التقى
التحدث بسرعة اندهاش “صفنه”

• المرحلة الثانية: الإنكار وعدم التعامل مع ما حدث ومحاولة السيطرة على مجرى الحياة.
• المرحلة الثالثة: الغضب الشعور بالغضب تجاه ما حصل أو اتجاه الأسباب التي كان لها أثر على الحادث أو تجاه أنفسنا.
• المرحلة الرابعة: الشعور بالخسارة أو الشعور بالفقدان، إذا كان ذلك اتجاه العمل أو الموت أو إذا كان الحادث ناتج عن اغتصاب أو عنف فهو يكون ناتج عن الخسارة أو الضرر الجسدي الذي حصل.
• المرحلة الخامسة: الحزن أو الحداد على ما حصل.
• المرحلة السادسة: العادية، إعادة التوازن أو مرحلة التنظيم، تبدأ الضحية بمحاولة ممارسة الحياة اليومية.
3. ردود فعل نفسية: لها أكثر من مؤشر جسدي وعاطفي ونفسي.
• ردود فعل عاطفية:
– الشعور بالخوف
– الشعور بالتهديد
– الرغبة بالانتحار
– الاكتئاب
– الحساسية المفرطة لكل ما يحدث من حولها
– إعادة إحياء التجربة
– فقدان الثقة بالنفس والغير
– مزاجية وذات تغيرات فجائية في السلوك
– صعوبة في النوم والأحلام المزعجة والكوابيس
– القلق
– الانعزال والابتعاد عن الأصدقاء
– تراجع في التحصيل العلمي
– الابتعاد عن مكان وقوع الحادث
– الشعور بالذنب

• ردود فعل( تشوش في الفهم والإدراك):
– تلخبط بالفهم والإدراك
– التفكير والذاكرة
– انتقال مفاجئ من موضوع لآخر
– عدم التمييز بين الجدية والتفاهة
– الخلط بين الوهم والحقيقة
– تفكير غير منتظم
– تشويه الحقائق
• ردود فعل جسدية:
– إشكالات في عادات الأكل
– آلام في مناطق مختلفة من الجسم ممكن أن تكون ناتجة عن الاعتداء أو آلام لا يوجد لها تفسير طبي.
– الخوف من إمكانية الحمل أو الإصابة بالأمراض الجنسية “نتيجة اغتصاب”
– دوار أو صداع
– صعوبة في التنفس
– الشعور بالإرهاق
– إشكالات في جهاز الدفاع عن النفس
كذلك يشعر الإنسان بالخوف والتوتر وتصبح انفعالاته حادة تخل بتوازنه وتؤثر على قدراته على التفكير المنطقي. وقد يتطلب منه هذا مجهوداً كبيراً للتأقلم مع الواقع الجديد. وهكذا أيضاً بالنسبة الى الحدث الذي يهدد سلامة الجسد والنفس.
ما بعد الصدمة:
إن الصدمات المفاجئة تؤدي إلى ما يسمى Post Trauma، هذه الصدمة الحادة تؤدي إلى اختلال في التوازن أو خلق تشويه نفسي لدى الضحية لعدم القدرة على التعامل مع الأزمة. التعريف العلمي لـ “ما بعد الصدمة” هو إنكار الحادث وعدم التعامل مع الأزمة الناتجة عن الحدث.

ردود فعل المرأة التي تتعرض للعنف الأسري
1. الخوف: الخوف من التعرض للأذى مرة أخرى أو من الشعور بالرفض من قبل أولئك المقربين منها أو من قبل الأفراد العاملين في المؤسسة والخوف من التعرض للقتل. قد تولد في تلك الفترة أنواعاً معينة من الوساوس.
2. الإنكار: إنكار المشكلة أو إنكار فداحتها وقد يقوم البعض بإلقاء اللوم على الآخرين وقد تقول “هذا غير معقول” أو “أنا عندي مشكلة أما فلا”.
3. الشعور بفداحة الحدث: عدم السيطرة على الخيارات أو المصادر والشعور بالرعب والغضب والرغبة في تغيير مجرى حياتها كلياً مثل الانتقال للسكن في مكان آخر أو الذهاب إلى وظيفة جديدة والشعور بكبر حجم التوقعات التي لدى الآخرين.
4. الإحباط: التعرض للاضطهاد بسبب الانطلاق في الحديث عن المشكلة والمواجهة المستمرة مع عدم الاكتراث آو العداء الذي تعبر عنه المؤسسة الرسمية، اخذين بالاعتبار إن أنظمة الدعم لا تعمل كما يجب، وقد تشعر المرأة بأنها غير قادرة على مواجهة الموقف.
5. عدم الاكتراث: عدم وضوح في الرغبة في إنهاء العلاقة أو البقاء وقد يكون الشخص الآخر في العلاقة محباً وعنيفاً في نفس الوقت، وقد تضطر المرأة إلى تغيرات جوهرية في أسلوب حياتها مع أنها غير مقتنعة.
أسباب إساءة معاملة المرأة
إن فهم طبيعة وأسباب العنف الموجه للمرأة، هو أمر ضروري لأي مهني يعمل في مجال حماية الأسرة، وهذا الأمر كان وما زال تحديا كبيرا للمهنيين والأكاديميين، وإذا كان هناك حقيقة وحيدة تم التوصل إليها خلال السنوات الماضية، فهي انه لا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث العنف، وليس له علاقة بالمستوى الاقتصادي الاجتماعي أو بالدين أو بالعرق، حيث إن حدوثه يعتمد على عوامل متعددة تصادم العائلة، وهذه العوامل تتفاعل وتعزز بعضها البعض، لينتج عنها العنف ضد المرأة، وعليه فان العنف يتولد نتيجة تفاعل “عوامل خطورة” تتراوح بين الرجل المسيء والمرأة والمحيط. يجب التأكد أو وجود “عوامل الخطورة” بعائلة معينة لا يعني بالضرورة أو يؤدي ذلك إلى حدوث العنف، وذلك بسبب تعدد العوامل وتفاعلها، وعلى المهنيين الذين يتعاملون بهذه الحالات التكيف معها بشكل منفرد، وتجنب التعميم عند التشخيص أو العلاج.

سندرج فيما يلي عوامل الخطورة المتعلقة بالعنف الموجه ضد المرأة.
1. المواقف التقليدية في المجتمع، القابلة لعدم الاتزان في القوة والنفوذ بين الرجل والمرأة.
2. المواقف التقليدية في المجتمع، التي تنظر للمرأة إنها ملك للرجل، وإنها للتوجيه والسيطرة والتأديب.
3. المواقف المنتشرة التي تنظر للعنف على انه نمط شرعي مقبول، يقوم به الرجل لتفريغ الإحباط،الغضب، خيبة
الأمل، أو لحل مشاكله الشخصية.
4. المعايير الاجتماعية التي تشجع المرأة في أن تكون سلبية.
5. تعرض المسيء لسلوك عنيف سابق في عائلته.
6. من المقر به، إن بعض مرتكبي الإساءة، مدمنون من التعود على الكحول، و/أو كرب الفقر والبطالة، إلا انه لا
يوجد اي مؤشر على إن هذه العوامل هي سبب مباشر للإساءة.
7. الأمراض النفسية موجودة لدى نسبة ضئيلة في مرتكبي الإساءة، تقارب النسبة الموجودة لدى العامة، إلا إن
بعضا منهم يعانون من اضطرابات عاطفية أو سلوكية.
8. غياب مهارات التواصل الشخصي لدى الرجل المسيء، وعدم قدرته على السيطرة على النفس.
9. الأمراض الجسدية لدى المسيئين لها دور ضئيل في أحداث الإساءة.

وفي كثير من الحالات لا تقوم الزوجة بالشكوى للأسباب التالية:
أسباب العزوف عن التبليغ والشكوى
الملاحظ عملا أن كثيرا من ضحايا العنف يعزفن عن التبليغ عن الجرائم التي لحقت بهن ، وأسباب عدم التبليغ هذه كثيرة . فقد يرجع ذلك على نوع الجريمة نفسها كجرائم الإجهاض والجرائم الجنسية عامة وخاصة ما يقع منها في نطاق الأسرة ، حيث عن هذا النوع من الجرائم يتم في الخفاء ، ويؤثر الناس – عادة – التكتم على الفضيحة ، بدلا من تدخل السلطات لمعاقبة الجاني وما قد يجره ذلك من عار اجتماعي يظل طوال الحياة . وقد يكون الإحجام عن التبليغ مرده الرغبة في الثأر من الجاني وربما مرده الخزف من انتقام الجاني وذويه . وقد يكون الامتناع عن التبليغ راجعا للخوف من الوقوع تحت طائلة الجزاء الجنائي أو الاستهجان الاجتماعي ، كالمرأة الداعرة التي تطلب من قابلة إجهاضها ثم يصيبها ضرر من جزاء ذلك ، وكالرجل الذي تسلبه إحدى العاهرات ماله بعد مواقعته إياها ، وكذلك المرأة ضحية الاغتصاب بعد أن تكون بدأت بالخطوة الأولى لاستدراج مغتصبها ثم حالت بينه وبين نفسها فاغتصبها . كما قد يرجع الإحجام عن التبليغ إلى عدم الاقتناع بالحكمة من التجريم ، كالمرأة التي تمكن احد محارمها من مواقعتها . وقد يعزف المجني عليه في الجرائم الناشئة عن استخدام الحاسب الآلي عن لتبليغ لإخفاء أسلوب ارتكاب الجريمة حتى لا يتم تقليدها من جانب الآخرين ، وخوفا من الدعاية المضادة وضياع ثقة المساهمين في مشروعه .
إلا أن أوضح وأخطر الأسباب لإحجام ضحايا العنف عن التبليغ هو الاعتقاد السائد لديهم بعدم الثقة في أجهزة العدالة الجنائية ، وعدم احترامها ، والرغبة في الابتعاد عن العملية الجنائية بوجه عام وعن الشرطة بوجه خاص ، وليس من العسير إدراك هذا الشعور إذا أيقن الفرد أن نسبة يسيرة من الجرائم المعروفة لدى الشرطة هي التي يتم فيها الحكم بالإدانة .
وأعمال هذا الحق يقتضي أن يكون التجاء الضحية إلى السلطات بدون عوائق إجرائية أو تكلفة مادية ، وأن تتاح له الفرصة في التعبير بحرية عن وقائع الشكوى ، بدون مقاطعة كما أن له الحق في التعبير عن وجهة نظره ، وعن مبررات قلقه . وعلى رجال الشرطة مساعدته في استرجاع التفاصيل – دون ضجر أو استهزاء – حتى لو كانت القضية تافهة في نظرهم .
ويتعين ألا يغيب عن الذهن أن لضحية العنف ألا يبلغ أو يشكو لأسباب تكون منه موضع التقدير ، كعدم علمه بالجاني ، أو سترا للفضيحة ، أو لعدم توافر الدليل ، أو تقديرا منه لملائمة تحريك الدعوى الجنائية من عدمه ، وذلك في جرائم الشكوى . ومن يملك عدم التبليغ كلية يملك أن يبلغ عن بعض الوقائع دون البعض الآخر ، كما أن له تقدير الوقت الملائم لتقديم شكواه أو بلاغه – مع مراعاة مدة التقادم والمدة المعقولة لعدم ضياع الأدلة – ولا يترتب على التأخير في الإبلاغ عن الجريمة أن يقلل رجال الشرطة من أهمية سؤال المجني و إعمالا لهذا الحق فإن لضحايا العنف في تقديم شكواهم ضد رجال الشرطة أنفسهم ، إذا وجدوا منهم إهمالا أو تحيزا . ومن نافلة القول حقهم في إبداء ملاحظات على عمل الشرطة فيما يتعلق بقضيتهم ، بل وفيما يتعلق بسياستها العامة في مكافحة العنف ، دون أن يكون لذلك ثمة تأثير – كإعانات أو تعسف أو فتور – على ضباط الشرطة صوب قضيتهم .
وفي كثير من الحالات لا تقوم الزوجة بالشكوى للأسباب التالية:
(1) تحاول بطريقة ايجابية إن تغير الرجل ليقلع عن الإساءة.
(2) تأمل بوعود سابقة من الرجل.
(3) شعورها بالذنب من أنها تحطم الأسرة.
(4) خوفها من تهديدات الرجل.
(5) لا يكون لها موارد اجتماعية واقتصادية لتعتمد على نفسها.
(6) ليس لها مكان تلجأ إليه.
(7) سبب آخر لبقاء المرأة في المنزل هو حالة نفسية وهي “التعلق بالمسيء” تحدث ارتباط عاطفي بين المرأة وبين الرجل المسيء إليها.

كيفية التعرف على الحالة
إن التعرف على حالات إساءة معاملة المرأة، قد يكون سهلاً بسيطاً من مثل مشاهدة كدمة أو جرح وقد يكون معقداً مثل احتياجه لاستنباط المعلومات من خلال أسئلة مباشرة تحتاج لباحث متخصص. إن مؤشرات الإساءة الشديدة هي حدوث إصابة جسدية توجب العناية الطبية، أو حدوث إصابات في الأطفال، أو إذا نتج عن العنف مغادرة الأم والأطفال للمنزل، ويجب الانتباه إلى أنه أظهرت الدراسات الأكاديمية، أن حالة من كل ستة حالات إساءة معاملة الأطفال، تتعرض الأم أيضا للإساءة، وعليه يجب سؤال الأم مباشرة عن تعرضهن للإساءة.
على المتدخلة (الأخصائية) التنبه للمؤشرات العامة لاحتمالية تعرض المرأة للإساءة، وهي شكوى المرأة المزمنة من سوءٍ في صحتها، زيارتها المتكررة للطبيب، استعمال المهدئات الطبية، وجود تاريخ لمحاولة انتحار، وجود إساءة لأطفالها، دخولها في حالات هيجان توتر غضب وعصبية وارق، ومعاناتها من تفكير مشوش ومرتبك، عدم قدرتها على اتخاذ القرارات، ولها آراء متزمتة حول دور الرجل والمرأة. أما المؤشرات العامة لدى الرجل المسيء فهي وجود تاريخ لإساءة معاملة امرأة أو إساءة معاملة طفل في أسرته الأصلية، وجود اشتباه بكونه مسيء جسديا لأطفاله أو معتدى جنسيا، متعود على الكحول أو المخدرات، وجودـ الصفات التالية: الاندفاع، نوبات الغضب، الغيرة، شعوره بالعظمة، الاعتماد على زوجته، عدم النضوج، ولديه آراء متزمتة حول دور الرجل والمرأة.
الأنماط السلوكية للمرأة المساء إليها هي
(1) تظهر خجولة، خائفة، مرتبكة، متقلبة، سلبية، وقد تكون بحالة بكاء.
(2) المعتدي لا يبتعد عن الضحية ويجيب الأسئلة نيابة عنها.
(3) وجود تأخير بين وقت الإصابة ووقت الوصول للطبيب.
(4) تبدو المرأة مترددة في إعطاء معلومات مفصلة عن طبيعة إصابتها .
(5) تفسير الضحية للإصابات يتعارض مع ماهية الإصابات.
(6) تقلل المرأة الضحية من أهمية الإصابات.
أما أنماط الإصابات للمرأة المساء إليها فهي:
(1) كدمات متعددة لأي جزء من جسم الضحية.
(2) حروق بأدوات منزلية، المدفأة ، السجائر، أو المواد الحارقة.
(3) إصابات في الوجه، تمزق اللثة وكسر في الأسنان، كسور الفكين.
(4) ثقب في طبلة الأذن.
(5) كسور قديمة غير معالجة.
المظاهر النفسية لدى المرأة المساء إليها هي:
(1) الاكتئاب، غير قادرة على التحمل، تشعر بالوحدة الخ…
(2) تصبح الأسرة منعزلة بدون اختلاط مع أصدقاء أو أقارب.
(3) اكتئاب شديد يشل حركتها.
(4) تشبه حالتها بالحالة النفسية للرهينة.
(5) قد تعاني من هجمة أرق حادة.
(6) تشعر بخفقان بدقات القلب.
(7) هجمة ضيق نفس.
(8) نوبات بكاء شديد.
(9) قد تعاني من اضطراب عصابي أرقي.
(10) نزعة انتحارية.
(11) إساءة استخدام العقاقير.
(12) أعراض جسدية نفسية.

يجب أن تتفهم الضحية، أن بداية حياة جديدة بدون عنف، هو عملية طويلة ويرافقها الكرب لكثير من النساء، وتعتمد أساساً على الموارد المتوفرة في المجتمع لمساعدة المرأة وأطفالها في مجالات الخدمات الاجتماعية، وفي توفير مكان آمن تسكن به هي وأطفالها، وكذلك في مجال التعليم، التأهيل المهني، دمجها في المجتمع، وتوفير الدعم القانوني لها.