هل يصح عقد الزواج من المرأة بكلامها، أم لا يصح، ويجب أن يتولى الولّي أو وكيله عقد الزواج؟

بقلم المحامية :نيفين الفاخوري-مكتب الخليل
في البداية لنتعرف على معني الولي في ضوء استعمالات الفقهاء لها فهي عبارة عن:- قدرة الشخص شرعاً على إنشاء التصرف الصحيح النافذ على نفسه، أو ماله، أو على نفس الغير وماله.
أما في القانون فقد جاء في (19) من قانون الأحوال الشخصية:- (أن الولّي في الزواج هو:- العصبة بنفسه على الترتيب المنصوص عليه في القول الراجح من مذهب أبي حنيفة).
أما في مسألة عقد المرأة الزواج بنفسها لنترك الحديث للفقهاء والقانون وما ينص على ذلك من مواد على النحو التالي:-
قال أبو حنيفة:- يصح، فللمرأة أن تعقد الزواج بنفسها، وأن تعقد لغيرها، ما دامت تملك إيقاعها من غير موافقة الولّي، ويؤيد ذلك الآيات التي تسند عقد الزواج إلى النساء:- ﴿فلا تعضلّوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ﴾ و﴿حتى تنكح زوجاً غيره﴾.
وقال مالك والشافعي:- لا يصح لفظ المرأة في عقد الزواج، ما دامت لا تملك ذلك إلا بأذن الولّي، لأن القرآن جعل إنشاء العقد من حق الأولياء، وذلك في مثل قوله:- ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ وقد جرى عرف الناس منذ عصر النبوة حتى اليوم على أن لا تقوم النِّساء بإجراء العقد، وإنما يفعل ذلك الرجال.

والحق أن مذهب أبي حنيفة متفق مع قواعد الشريعة ومبادئها، فما دامت المرأة كاملة الأهلية، تملك أن تعقد من العقود المالية ما تشاء كان لها أن تعقد الزواج بنفسها، والآيات التي أضافت إنشاء العقد إلى الأولياء جرت على ما هو المعتاد من ذلك في عرف المجتمع، ولا يدل ذلك في عرف المجتمع، ولا يدل ذلك على عدم صحة الزواج بألفاظ المرأة.
أما موقف القانون من ذلك:-
هذا وقد أخذ القانون برأي أبي حنيفة في عدم اشتراط موافقة الولّي لصحة عقد الزواج، بل أجاز للولّي أن يبدي رأيه في زواج البالّغة خلال مدة يعينها القاضي فإن لم يعترض أو كان اعتراضه في غير موضعه، أذن القانون بالزواج بشرط أن تتزوج من كفء، وإليك نص المادة كما وردت في القانون:-
ففي (المادة20) الكبيرة التي أتمت السابعة عشرة إذا أرادت الزواج يطلّب القاضي من وليها
بيان رأيه خلال مدة يحددها له، فإذا لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار يأذن القاضي بزوّاجها بشرط الكفاءة.
يلاحظ من نص القانون أنه لم يتعرض لأمرين هما:- علائم الرضا عند البكر والثيب، والخلاف في صحة عقد الزواج بلفظ المرأة، وهذا قصور كان ينبغي أن لا يقع فيه واضعو القانون، ولعل عذرهم في إهمال الأمر الأول على أنه مما اشتهر من الأحكام فلا يضر إغفاله، وعذرهم في إهمال الأمر الثاني على صحة عقد الزواج بلفظ المرأة، أن إثبات الأهلية لها بالبلّوغ، وعدم اشتراط موافقة الولّي، يستلزم صحة عقدها بنفسها بناءً على القواعد العامة.

مسألة أخري:- لم يشترط الإمام أبي حنيفة الولّي في زواج المرأة، فهل ترك الأمر هكذا دون أن يحتاط لحق الولّي؟؟
للإجابة على ما سبق أقول:-عندما قرأت لبعض الكتب الفقهية وجدت أن أبي حنيفة قد حافظ على حق الولّي، على الرغم من أنه لم يشترط الولّي في زواج المرأة البالغة العاقلة كما اشترطه الجمهور، فهو لم يلّغي حق الولّي بل أعطاه الحق في إيقاف العقد وإبطاله إذا لم يكن الزوج كفأ، وقد توسع في الخصال التي تدخل في الكفاءة.
وكما أعطاه الحق في المطالبة بفسخ العقد إذا كان المهر أقل من مهر المثل، فالجمهور جعلّوا الولاية شرط صحة النكاح، ولم يجزوا للمرأة الإنفراد بتزويج نفسها ابتداء، بينما أعطى الإمام أبو حنيفة المرأة الحق في تزويج نفسها، ولكنه جعل للولّي الحق في إيقاف العقد إذا لم يكن الزوج كفأً، وبذلك يكون قد اتفق الجمهور والحنفية في إعطاء الولّي حقاً في زواج مولّيته، وإن اختلف طريق إعطاء هذا الحق.
أما الكفاءة عند الحنفية:-تكون في ستة أمور هي:- [النسب، الإسلام، الحرية، المال، والديانة، الحرفة]، فهذه هي الأمور التي تعتبر فيها الكفاءة عند المذهب الحنفي، فهي أوسع المذاهب الأربعة بالنسبة لها؛ لأن أبى حنيفة إذا أطلّق حرية المرأة في الزواج فقد احتاط للولّي بالتوسع في معني الكفاءة، والتشدد في اشتراطها، لكيلا تسيء المرأة في الزواج إليه.
لو نظرنا للحِكمة مِن اشتراط الوِلاية علَّى المرأة البَالغة العَاقلة:-
إن ما يؤكد وجوب اشتراط الولّي الحكمة المتوخاة من ورائها، وأوجزها في النقاط التالية ذكرها:-
1- أن الرجال هم أقدر على البحث عن أحوال الخاطب من النساء، فلو تركت المرأة وحدها تقرر مصيرها بلا معونة من أهلها أو أقاربها، فقد لا توفق في اختيارها الرجل المناسب لها.
2- إن اشتراط الولّي في زوّاج المرأة فيه مزيد من الإعلان عن النكاح، وإشهاره، فمن أجل ذلك شرّع الولّي والشهود والوليمة والتهنئة.

3- ارتباط المرأة بالرجل الذي تختاره ليس أمراً خاصاً بالمرأة دون غيرها من الأهل، فالزّواج يربط بين الأسر بحيث يشكل شبكة من العلاقات بين الأسرتين؛ لذلك فإن الآباء والإخوة يهمهم أن تكون الأسرة التي يرتبطون بها على مستوى من الفضائل والأخلاق، فعند ارتباط المرأة بالزوج الصالح صاحب الدين والخلّق والفضل يريح أسرتها من أن تقلق علّيها منه في المستقبل.

4- أن المرأة بطبيعة عاطفتها يستطيع الرجل أن يغرر بها، ويتلاعب في عواطفها، فيكون اختيارها غير صائب، وتحدث بعدها من المشاكل والقضايا، وفوق كل ذلك والأهم تشرد الأطفال وضياعهم…الخ فتفشل الأسرة، وتنشأ العداوة والبغضاء بين الأسرتين، لذلك كان الرجل هو الأقدر على أن يدرك أحوال الخاطب دون أن يغرر؛ لأنه يعلم كيف يبحث ويستفسر عن ذلك الخاطب لمعرفته مدي أهمية هذا الأمر.
يقول الشيخ أبو زهرة رحمة الله:- [أساس الولاية أن عقد الزوّاج لا تعود مغباته على العاقدين وحدهما، بل ينال الأسرة منه شيء من العَّار أو الفَخَّار].
فالذي يعلّم بأحكام الشريعة يعلّم أن هذا التشريع فيه خير للمرأة حيث أنه يجنبها المزا لق والمهالك، ويعطيها الحماية من شيطان الإنس الذين يريدون التلاعب بها، فالله سبحانه وتعالى لم يشرّع الولاية لقهر المرأة أو إذلالّها كما يراه ويظنه البعض بل على العكس من ذلك ففيه تكريم للمرأة وتشريف لها، بأن تظهر أن ورائها أهل وأسرة تحميها وترعاها وتسعي لمصَّلحتها، وتخطط لمستقبلِّها في البحث لها عن زوُّج كَفءُ ذو دِّين سلِّيم وخلُّق حسنَّ؛ لِتعيش معه باقي حياتها بحلِّوها ومُرَّهَا دون أن يَظلِّمها معه.
حُكم إجبار الوَلّي المَرأة البَالِغَّة العَاقِلَّة عَلَّى الزَوّاج:-
إن مذهب الجمهور هو الأرجح في اشتراط الولّي في نكاح المرأة البالغة العاقلّة بكراً كانت أم ثيباً، ولكن هل هذا يعني أن الشريعة الإسلامية تجيز للولّي أن يكره مولّيته على النكاح من غير رضاها؟؟؟
للإجابة على ذلك:- أري بأن هناك خلّط عند بعض الباحثين في اشتراط الولّي في نكاح المرأة، وبين صلاحيات الولّي في إجبار المرأة التي يتولّى آمرها على النكاح، فالأمران ليسا بمتلازمين على الإطلاق.
فليس كلّ الذين اشترطوا الولّي في النكاح أجازوا للولّي إجبار ولّيته على الزواج ممن يريده من غير رضاها، بل إن الأقوى هو عدم جواز إجبار الولّي لموليته على الزواج بدون اختيارها، حيث أن القول بعدم جواز إجبار الولّي للمرأة الثيب محل اتفاق وللبكر محل نزاع.
ولبحث هاتين المسألتين يكون بيانه على النحو التالي ذكره:-
أولاً:- إجبار الولّي المرأة الثيب على الزواج.
نعلّم بأن المرأة الثيب هي:- التي سبق لها وأن تزوّجت، وفرّق بينها وبين زوّجها إما بطلاق أو بوفاة زوّجها-أيِّ فهي من سبق لها أن خاضت تجربة الزَوَّاج وفهمت معني الزوَّاج، وعرفت أن في الزواج مسؤولية وعلَّيها أن تتحمل تلك المسؤوليات.
اتفق أهل العلّم إلا من شذَّ منهم على منع الولّي من إكراه المرأة الثيب البالغة العاقلة على الزواج من غير رضاها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه:- (الثيب البالغة لا تنكح إلا بإذنها) باتفاق الأئمة، وقال في موضع آخر:- (البالغ الثيب لا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب ولا لغيرة بإجماع المسلّمين).
واستدل أهل العلّم على عدم صحة إكراه الولّي للثيب البالّغة من الزوّاج بما يلّي:-
استدلوا بقول الرسول -صلّى الله علّيه وسلّم- بحديث عبد الله بن عبّاس:- (ليس للولّي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأ مر، وصمتها إقرارها).

وروى مسلّم حديث ابن عباس بلّفظ:- (الأيم أحق بنفسها من ولّيها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صمتها)، فهذا لا يعني أن يلّغي حق الولّي.

روى البخاري وغيره، عن الخنساء بنت خذام الأنصارية(أن أباها زوّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت الرسول فرد نكاحها).
ولقد بوّب البخاري باب بخصوص ذلك بقوله:-(باب إذا زوّج الرجل ابنته وهي كاره، فنكاحه مردود).
واستدلوا أيضاّ بالمعقول حيث أن الثيب البالّغة رشيدة عالّمة بالمقصود بالنكاح مختبرةً له، فلّم يجيز إجبارها عليه، فهي قد مَرَّت بمثل هذه التجربة في السابق.

ثانياً:- إجبار البكر البالغة العاقلّة.
اختلف أهل العلّم في البكر البالغة العاقلّة التي لم يسبق لها الزوّاج، فذهب جمع من أهل العلّم إلى أنه يجوز للولّي تزويجها بغير إذنها، وذهب آخرون على أنه لا يجوز له ذلك، والذين أجازوا له ذلك اختلفوا في تحديد الأولياء الذين يحق لهم الإجبار.
قال ابن قدامة مبيناً الاختلاف في هذه المسألة عن أحمد، في إجبار البكر البالّغة على الزواج على روايتان هما كما يلّي:-
إحداهما:- له إجبارها على النّكاح وتزويجها بغير إذنها كالصغيرة، وهو مذهب مالك وبن أبى أبي ليلى وإسحاق والشافعي.
الثانية:- ليس له ذلك، واختارها أبو بكر، وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأبي ثور، وأصحاب الرأي وابن المنذر.

والراجح في ذلك:- الرواية الثانية كما رجحّ ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وفي ذلك يقول:- (اختلف العلّماء في استئذان الولّي البكر البالغة العاقلة هل هو واجب؟أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب).
استدل الذين لم يجيزوا للولِّي إجبار المرأة البالّغة العاقلة على الزواّج بإذنها بأدلة أذكر منها ما يلي على النحو التالي ذكره:-
*النصوص المصرحة برد الرسول-صلّي الله علّيه وسلّم-نكاح من زوّجها ولّيها من غير إذنها، روى النسائي عن عائشة-رضي الله عنها، أن فتاة دخلّت عليها، فقالت:-إن أبي زوّجني من ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيسة، وإني كارهة، قالت:- اجلّسي حتى يأتي رسول الله، فجاء رسول الله- عليه الصّلاة والسلام- فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت:- يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردة أن أعلّم الناس أن ليس للآباء من الأمر شيء.
*ومن النصوص الصريحة برد الرسول زوّاج الفتاة بدون إذنها، روى أبو داود عن ابن عباس:- أن جارية بكراّ أتت الرسول فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة فخيّرها رسول الله -صلّى الله علّيه وسلّم في ذلك.

*وردت نصوص مشترطة استئذان البكر في نكاحها، ومن هذه الأحاديث (والبكر تستأذن في نفسها)، وفي رواية (والبكر يستأذنها أبوها)،وفي رواية (واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها) وفي حديث أبي هريرة-رضي الله عنه (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا:- يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال:- أن تسكت)، ولقد بوب البخاري على الأحاديث الناهية عن إنكاح الثيب حتى تستأمر، والبكر حتى تستأذن بقوله:- (باب لا ينكح الأب وغيره البكر، والثيب إلأ برضاهمّا).
وقال ابن حجر معلقاً على الترجمة في تبويب البخاري:- (الترجمة معقودة لاشتراط رضا الزوجة بكراً كانت أو ثيباً صغيرة، كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث وتستثني الصغيرة).
تزويج الفتاة مع كراهيتها لزوج مخالف للأصول والعقول والله لم يسّوغ لولّيها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، وعلى طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يكرهها على معاشرة من تكرهه؟ والله سبحانه وتعالى قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها منه، فأي مودة ورحمة في ذلك؟.
*وقد تتابع أهل العلّم على النص على بطلان العقود التي تمت بالإكراه كالبيع والشراء والإجارة، فنرى بأن القول بجواز إنكاح المرأة من غير رضاها مخالف للقاعدة العامة التي قررتها الشريعة الإسلامية، وأخذ أهل العلّم بها.

في حال وقوع شقاق بين الزوجين فإن الشريعة الإسلامية جعلّت للمرأة سبيلاً للخلاص من ذلك الزوج الذي لا تريده فشرّعت لذلك طريقين للخلاص هما:-
1- أن يقام حكم من قبل الزوج، وحكم من قبل الزوجة، فإن اتفقا على التفريق بين الزوجين نفذ الحكم.
2- أن تُخَالِّع زَوُّجَهَّا بأن تدفع له المهر الذي آخذته منه، ولها أن تلجأ إلى القضاء إذا أبَىِّ الزوج المخالعة.
فإن كانت الشريعة قد شرّعت للمرأة الخلاص من زوجها في حال كراهتها له، فكيف يجوز تزويجها إياه ابتداءً، إن مقتضى ما ذكرته من أنه لا يجوز تزويجها من غير إذنها، لا يعنى اشتراط إذنها أن الولّي غير لازم في نكاحها فالصواب أنه يجب اتفاق إرادتها وإرادة ولّيها في النكاح.