ضرب المرأة ينكر عليها حقها في العيش كإنسان

بقلم: ميساء بشارات

يوصف المجتمع الفلسطيني بأنه مجتمع له أعراف وتقاليد خاصة به، مثل الحماية والعناية والتكافل الاجتماعي، ولديه عادات وقيم دينية تحتم على الرجل احترام وحماية المرأة سواء كانت الأم أو الأخت أو الزوجة أو الابنة…
ولقد كان من شأن هذه العادات والقيم أن تكفل بعض الحماية والاحترام للمرأة، إلا أن مجتمعنا كباقي مجتمعات العالم أعطى الرجل مكانا متميزا وأشعره بالفوقية، مما جعله ينظر للمرأة نظرة دونية فأباح تعنيفها نفسيا واجتماعيا وجسديا، وحتى جنسيا، وحملها هي الضحية الذنب فيما يجري لها ولامها على هذا العنف مستغلا العادات والتقاليد ذاتها ،لإخراسها وإرغامها على تقبل هذا الوضع الصعب باسم الأطفال والعيب والسمعة والعادات والتقاليد.

ظل راجل ولا ظل حيطة
فقد كانت النساء في الماضي يقلن ظل رجل ولا ظل حيطة، لان ظل الرجل في ذلك الزمان يعني حبا واحتراما وواحة أمان تستظل بها المرأة وكان الرجل وطنا وانتماء واحتواء.
لكن اليوم يبدو أن الوضع اختلف مع الكثير من الرجال فأصبح الرجل يعني للمرأة الخوف والتسلط والقسوة والجبروت.
تقول أم احمد (37عاما)من إحدى القرى الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس بوجهها الذي رسم عليه الزمن آثاره :”لا يمر يوم على حياتنا الزوجية إلا و يضربني زوجي سواء كنا وحدنا أو أمام الأطفال بسبب أو دون سبب أو لأتفه الأسباب يأتي من الخارج غضبان ويفش خلقه فيي، وتضيف:” أصبحنا نراه أنا وأولاده كالغول الذي يأتي للمنزل ليأكل احدنا فعندما يدخل المنزل لا احد يتنفس يقطع النفس حتى لا يسمع صوت لأحدنا فيأتي وينهال علي بالضرب وتتابع أنا لم أفكر في يوم من الأيام بالإخبار عنه لعلمي بأن القانون نصير للرجل على المرآة، ثم إن أردت الشكوى ضده في المحكمة فالكل سوف يعيبني ويلومني بسبب العادات والتقاليد السائدة فالمرآة الجيدة هي التي تصبر على زوجها وتتحمله بالإضافة إلى أولادي فإذا أردت الشكوى ضده فسوف يأخذ الأولاد مني ويحرمني من رؤيتهم وهم ثروتي ومن اجلهم أنا اصبر على هذا الذل والهوان والضرب”.
وتتابع أم احمد:”من حق الرجل أن يلقي يمين الطلاق على زوجته لأي سبب ودن أي مبرر ودون سابق إنذار، ومن حقه أيضاً أن يردها خلال فترة العدة دون أن يستأذنها أو حتى يخبرها مسبقاً، ومن حقه أن يهينها كيفما شاء فقانون الأحوال الشخصية لم يحترم آدميتها وسخرها جارية لزوج لا يرحم” .
ويوجد مثل أم احمد الكثيرات في مجتمعنا الفلسطيني اللواتي يتعرضن للضرب شبه يوميا بحجج واهية ولأتفه الأسباب هذا إن وجد سبب أصلا.
فما هي مساحة الظل المتبقية من الرجل في هذا الزمان وهل ما زال الرجل ذلك الظل الذي يظللنا بالرأفة والرحمة والإنسانية؟.

الاحتلال يزيد من حدة العنف
و تقول فاتن أبو زعرور المرشدة الاجتماعية في جامعة النجاح الوطنية:” لقد جعلت الأوضاع الاقتصادية البائسة والضغوطات الناجمة عن الاحتلال الرجال أكثر عنفا، ففقدان قدرتهم على تأمين حياة العائلة وحمايتها من الأذى الذي يترافق مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر والإذلال على أيدي الجنود الإسرائيليين قد ولد لدى الكثير من الفلسطينيين شعورا بالإحباط وفقدان الأمل إلا أن هذا لا يعني انه فيما لو انتهى الاحتلال غدا فإن العنف المبني على النوع الاجتماعي سينتهي من الوجود في فلسطين فالحقيقة تبقى أن العوامل الأبوية المتجذرة في المجتمع الفلسطيني تؤدي إلى استمرار العنف المبني على النوع الاجتماعي.”
وتتابع أبو زعرور:” العنف ضد المرأة ينكر عليها حقها في العيش كإنسان وحقها في اتخاذ القرارات وانتهاز الفرص لتحقيق ذاتها، كما أن العنف ضد المرأة يعمل على تهميش دورها ويزعزع ثقتها بنفسها ويحول بينها وبين المشاركة الفاعلة في المجتمع، ويجردها من إنسانيتها ويعزز مفاهيم التمييز والفوقية الذكورية.”
وتعزو أبو زعرور سبب قبول المرأة للعنف وعدم الإفصاح عنه “لطبيعتها التي تعطي الأولوية للاستقرار الأسري متحاشية الصدامات التي قد تؤدي إلى الطلاق وحرمانها من رعاية أطفالها”.
وتضيف: “إن غياب التضامن الأسري والاجتماعي مع المرأة يجبرها على تقبل العنف خجلا من مواجهة الاتهامات وخوفا من القانون الذي تجهله.”

هل من حق الزوج أن يتسلط على زوجته ويعاقبها بالضرب لأول خطأ ولأتفه الأسباب؟
في هذا يقول الدكتور علاء مقبول المحاضر في كلية الشريعة بجامعة النجاح الوطنية:” الحياة الزوجية لا تقوم إلا على الحب والتراحم، ولا يجوز أن تعاقب الزوجة لمجرد أول خطأ تقع فيه بل يجب النصح والوعظ والتذكير مرة بعد مرة، ولا شك أن ضرب الزوج لزوجته مشروع ، والضرب إحدى وسائل التأديب ، ولكن لا يجوز للزوج أن يبادر إلى ضرب زوجته ابتداءً ، ولا بد أن يعظها أولاً ، فإن نفع الوعظ فيها ونعمت كان به، وإن لم ينفعها الوعظ هجرها في المضجع ، فإن أخفق الهجر في ردها إلى جادة الصواب ، فإنه حينئذ يلجأ إلى الضرب ، وليس المقصود بالضرب إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها أو يشوه وجهها ، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة ، ويكون الضرب غير مبرح ، وكذلك لا يجوز الضرب على الوجه والمواضع الحساسة في الجسد يقول تعالى:”واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا” صدق الله العظيم .”
ويضيف:” إن بيان القرآن الذي يبيح للرجل ضرب الزوجة الناشز، والذي يصر كثيرون على فهمه فهماً خاطئاً في معظم الحالات، إنما يهدف إلى صيانة الحياة الزوجية، وحمايتها وتقويمها، كما تنص على ذلك الآية الكريمة السابقة.”

ومن الصعب الإشارة إلى أبحاث وإحصائيات علمية تعكس نسبة وحدة مشكلة العنف ضد المرأة في المجتمع الفلسطيني إلا أن الخدمات الاجتماعية مثل الخطوط الدافئة ومكاتب الشؤون الاجتماعية والعيادات الطبية ومراكز الشرطة وسجلات القضاء تشير إلى أن هناك حالات صعبة جدا متعددة ومتكررة من أنواع العنف المختلفة تعاني فيها المرأة سواء من العنف الجسدي أو العنف النفسي أو الجنسي في العائلة والشارع أو حتى في أماكن العمل أو في المجتمع ككل.