هل سوينا لهم الطريق ..؟؟؟!!!

لقد انتشرت ثقافة الإهمال والتبلد واللامبالاة، والاستهانة بأرواح المواطنين في معظم مناحي وزوايا حياتنا، وعلى الرغم من تكرار سماعنا لمقولة أن “الإنسان أغلى ما نملك”.. إلا أن حادثة طريق صلاح الدين في جباليا بالأمس تضعنا جميعاً أمام حقيقة مفادها: أن “لا أحد” تقريباً يهتم بأرواح الناس، أو بحياتهم، أو حتى بعذاباتهم وآلامهم.
ماذا يعني للمسئولين مقتل طفل قادم من مشاركة في وقفة تضامنية مع الأسرى ليعزز من صمود والده الأسير؟؟ ، ماذا يعني لهم أن يرقد ثمانية أطفال في عمر براعم الورد بغرف العناية المركزة وتتفتح أعينهم على أجهزة التنفس الاصطناعي بدل أن تتفتح على الحياة ؟؟..
وقبل ذلك، ماذا عنى لهم غرق ثمانية أطفال في برك المجاري المنتشرة مثل خلايا السرطان على امتداد القطاع، وتفحم عدد آخر من الأطفال جراء حريق في البيت بسبب انقطاع الكهرباء وإضاءة الشموع؟؟..
ألهذه الدرجة بلغ فينا الإهمال مبلغه؟ ألهذا الحد وصلت فينا درجة الاستهتار بأرواح البشر؟!!
كم هو مؤلم هذا المشهد على طريق صلاح الدين؟ وكم هي قاسية أنات الأطفال والدماء تغطيهم بعد أن تحطمت حافلتهم فوق رؤوسهم الندية ظهر أمس؟ بل كم هي بشعة ثقافة التواكل والقصور واللامبالاة والتي تتربص بنا ريب المنون، ولا نتعلم منها ولا نتعظ.
صحيح أن ما حدث هو قضاء الله وقدره، ونحن نؤمن به خيره وشره، ولكن هل أخذنا بالأسباب وعوامل الأمان على الطريق؟.. لتقول بعدها هذا قضاء الله..
أليس هذا استهتاراً لا يرضاه الله عز وجل؟ أليست هذه استهانة – لا يقبلها المولى سبحانه – بالأرواح وبقيمة الإنسان ؟؟…
لقد قمت بزيارة موقع الحادث الأليم، وتفحصت عن قرب لعلي أجد أية إشارة أو علامة تدل على اتخاذ أبسط إجراءات السلامة والأمان على الطريق وللأسف لم أجد!!!
أعمال صيانة على مفترق “زمو” شارع صلاح الدين يقوم بها أحد المقاولين، فأغلق نصف طريق صلاح الدين المتجه شمالاً، وقام بتحويل حركة السير إلى النصف الثاني المتجه جنوباً، فأصبح نصف الطريق (بين الجزيرة والرصيف) يعمل باتجاهين، وفي منتصف قطعة الطريق هذه وقع الاصطدام المروع بين شاحنة قادمة من الشمال متجهة جنوباً، وبين الحافلة التي تنقل الأطفال والمتجهة شمالاً.
وهنا لا بد أن أسجل الملاحظات التالية لعلها تفيد في تحديد المسئولية ومعاقبة المستهترين من جانب، وفي أخذ العبرة والدرس القاسي المستفاد من جانب آخر،، كي لا تتكرر هذه المأساة الفاجعة.
1- المقاول لم يضع الإشارات اللازمة لتنبيه السائقين حول أعمال الصيانة وتحويل الطريق للقادمين من الجنوب، ولم يضع كذلك الإشارات التحذيرية للقادمين من الشمال لينبههم إلى أن الطريق أمامك أصبحت باتجاهين في هذا الجزء من الطريق، مع تحديد السرعة في هذه القطعة بما لا يتجاوز (30 كم / س) باعتبار أن تحولاً هاماً طرأ على طريق عادة تسرع فيه المركبات.
2- الرؤية غير واضحة، حيث وقع الحادث على أشد نقطة في انحناء الطريق.. وكان ذلك يتطلب أن يضع المقاول عدداً من المخروط الفوسفوري “برتقالي اللون” بين مسلكي منتصف الطريق لكي يفصل حركة صاحب الطريق القادم من الشمال عن مستخدم الطريق مؤقتاً والقادم من الجنوب، وعادة ما يوضع مخروط كل 20 متر على طول امتداد قطعة الطريق المغلقة.
وتكمن أهمية هذا الإجراء في فصل مسلكي الطريق وتخفيف السرعة، وينبغي على المحققين في الحادث معرفة سرعة الشاحنة القادمة من الشمال ، حيث ذكر الشهود أن الاصطدام كان قوياً مما يشير إلى سرعة الشاحنة، إضافة إلى أنها كانت تسير على يسار الطريق في مخالفة واضحة لأنظمة السير، حيث من المفترض أن يلزم الوزن الثقيل يمين الطريق، وإن قال قائل أنه ربما كان يتجاوز مركبة بطيئة، أقول له ممنوع التجاوز في منطقة المنحنيات الخطيرة مثل مكان الحادث.، وينبغي على البلدية أن تضع الإشارات المرورية التي تحذر من ذلك.
3- في جزيرة منتصف الطريق يوجد عدد كبير من أشجار الورد وأشجار الزينة بامتداد عرض الجزيرة بحيث أنها ساهمت في حجب رؤية سائق الشاحنة لحافلة الأطفال القادمة من الجنوب، ومن باب الاحتياط يجب إزالة مثل هذه الشجيرات الممتدة عرضياً في جزر منتصف الطريق عامةً، حيث من المتحمل خروج أحد الأطفال من بينها قاطعاً للطريق وهي بارتفاع 1- 1.5 م فيتفاجأ به أي سائق يسير على الطريق، ولا مانع من بقاء الأشجار ذات الجذع الطويل نسبياً والتي لا تؤثر في رؤية الطريق.
4- أعمال الصيانة على الطرق مفترض أن تتم في الليل مع إغلاق آمن للطريق، أما في النهار فهذا يسبب تعطيل لمصالح الناس، ووقوع حوادث مروعة كما شهدنا.
5- إذا كان المقاول قد ترك الأمر للسائقين كي يتصرف كل حسب فهمه للتحولات المربكة في الطريق.. فأين إذاً الجهة الرقابية على أعمال المقاول؟. أين بلدية جباليا التي تعاقدت معه؟ أين مهندس البلدية من إشرافه على إجراءات السلامة على الطريق قبل أن يسمح للمقاول بالعمل؟ أين تواجد الشرطة في بداية الطريق مكان الصيانة.. وفي نهاية الطريق المغلقة شمالاً لتنبيه القادمين من الشمال؟!!!
أين كل هؤلاء؟ أم أن أرواح الناس لا تستحق منا الاهتمام بأن يتكرم علينا مهندس بلدية جباليا بالإشراف على إجراءات السلامة على الطريق؟ وأن يتفضل علينا المقاول ببضعة إشارات مرورية تحذيرية، وكم من مخروط بلاستيكي فوسفوري؟ كم تساوي قيمتها يا ترى؟ أليست أرخص من دمعة أم الطفل الشهيد، وقهر والده الأسير؟ وبكاء أمهات الأطفال في العناية المركزة؟؟..
كيف تسمح شرطة المرور والنجدة بإغلاق جزء من الطريق بسبب أعمال الصيانة دون اتخاذ إجراءات السلامة؟ ودون تواجد لدورية شرطة في هذا الطريق السريع والحساس والخطير خصوصاً أن هناك منحنى قاتل في منتصفه كما أسلفت. وهل هناك تصريح رسمي بالعمل في هذا الوقت لأعمال الصيانة؟ وإن كان هناك تصريح.. فمن أعطاه؟ وهل تأكد من اتباع إجراءات السلامة قبل إعطائه؟!!.
ما حدث قد حدث، ولكن هل استفدنا الدرس؟؟ هل سنسمع قريباً عن لجنة تحقيق يشكلها المجلس التشريعي مثلاً؟ أو وزارة المواصلات، أو وزارة الحكم المحلي، أو البلدية، أو….
هل سنسمع عن محاسبة المسئولين عن الحادث؟ أم هل سيستمر بعض المقاولين بالعمل في شوارعنا دون مراعاة لقيمة البشر الذين يستخدمون الطريق؟؟..  وهل ستلزم البلدية المقاولين وتجبرهم على إجراءات الأمان لحماية البشر؟ وما هو موقف اتحاد المقاولين من المقاولين المستهترين والمتسببين في إزهاق أرواح الناس بإهمالهم وطمعهم.
كفى استهتاراً .. وكفى إهمالاً .. وكفى قصوراً يا أصحاب المسئوليات.
آن لثقافة “سيبها على الله يا مواطن”، و”يا شيخ ربك بسترها” و”ما تدقش كتير” آن لهاأن تنتهي، ولن تنتهي إلا إذا انتهت من عقل وثقافة المسئول أولاً، ثم يلزم بها العامة ، فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومطلوب محاسبة وعقاب كل من تشارك في المسئولية عن الحادث بشكل مباشر أو غير مباشر، وإلا ظلت البلادة والإهمال واللامبالاة عناوين قبيحة في زوايا حياتنا، تحضنها وتحفظها ثقافة متخلفة اتكالية لا تأخذ بالأسباب ولا تحض على الاجتهاد.. تؤرقنا فتقتل أحبابنا.. وتسرق فرحتنا.
بقلم: إياد أبو حجير
مهندس مرور
25/6/2013