عدالة الأحداث في الأراضي الفلسطينية بين القانون والواقع

بقلم محامي مشروع العدالة للجميع محمد النشار:-

لا شك أن ظاهرة جنوح الأحداث من أخطر الظواهر الاجتماعية لما لها من أثر على مستقبل الأجيال خاصةً  ومستقبل الدولة عامةً ولقد شهدت الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة تصاعد تلك الظاهرة التي أسهمت في ازديادها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية على حد سواء، فيما يعّد الجانبان القانوني والواقعي الأهم في تسليط الضوء على قضية الأحداث والآليات المطلوبة لحمايتهم داخل المجتمع.

فإذا نظرنا للجانب القانوني نرى أن هناك تعددية في القوانين الخاصة بالأحداث الجانحين يطبق في كل  الأراضي الفلسطينية وهو القانون المطبق في قطاع غزة منذ زمن سلطات الانتداب البريطاني سنة 1937 فيما القانون المطبق في الضفة الغربية هو قانون الأحداث الأردني سنة 1954، فالنصوص القانونية المطبقة فى تلك القوانين السابقة بعيدة كل البعد عن السياسة الجنائية الحديثة الهادفة إلى إصلاح الحدث والتي تعتبر الأخير مجنياً عليه لا جانٍ ومستحق للرعاية والحماية الفعلية.

كما وتنص تلك القوانين على الشروط الواجب توافرها في مراكز رعاية الأحداث والعاملين فيها والشروط الواجب توافرها فيهم  ولم تنص أيضاً على سرعة البت في قضايا الأحداث بل لم تنص على إنشاء محاكم خاصة بالأحداث ونيابة خاصة بهم وشرطة خاصة بهم بحيث يتم إعداد كادر مؤهل من قضاء ونيابة وشرطة للتعامل مع الأحداث بطريقة تليق وتراعي أعمارهم وظروفهم المختلفة عن المتهمين الكبار، كما ولم تتضمن هذه القوانين على أحكام مفصلة بخصوص وضع الأحداث في أماكن خاصة بما يتناسب مع وضعهم النفسي والعلمي والاجتماعي وإنما اكتفت فقط بإبعادهم عن البالغين فقط.

وحول وضع الأحداث على أرض الواقع داخل الأراضي الفلسطينية نرى أن عدد مؤسسات وأماكن الإصلاح الخاصة بهم يبلغ عددها ست أماكن أربعة منهم في الضفة الغربية واثنتين منهم في قطاع غزة فهذا مؤشر على نقص شديد وواضح في عدد دور الرعاية الخاصة بالأحداث، كما أنه يوجد مشكلات أخرى تتضح للعيان ومنها تقسيم الأحداث داخل الدار فنجد الجاني مع المجني عليه في نفس المكان بحيث لا يتم الفصل بينهم اعتباراً للجريمة المرتكبة أو حسب السن أو حسب الوضع النفسي الخاص بكل حدث.

ونوجد الحلول بذلك على اعتبار أن الحدث الجانح ماهو إلا ضحية عوامل شخصية واقتصادية وسياسية أدت به إلى ارتكاب الفعل المخالف للقانون وأن ردع الحدث يختلف كل الاختلاف عن البالغ فالهدف من ردع البالغ هو تحقيق العدالة وسيادة القانون فيما ردع الحدث يرتكز على التأهيل والتربية لمعالجة وبتر الشر الكامن داخل الحدث.

فلابد من الاهتمام الرسمي والمؤسساتي بعدة محاور وقائية وإجرائية وتنفيذية للنهوض بالحدث فالمحور الوقائي يتمثل بدراسة عوامل انحراف الأطفال والعمل على تقديم وسائل الوقاية لهم مجتمعياً واستئصال تلك العوامل السلبية المؤثرة على السلوك وكذلك فالمحور الإجرائي يهتم بوضع إجراءات جنائية خاصة في شأن الأحداث تختلف كل الاختلاف عن البالغين لضمان توفير البيئة المناسبة لهم أثناء المحاكمات وعدم التأثر بالمتهمين الكبار ولا بد من زيادة من عدد مراكز الرعاية الاجتماعية الخاصة بالحدث أثناء تواجده في دار الرعاية وتكثيف الجهود نحو النهوض بهذه المراكز للرقي بحال الأحداث وفيما المحور التنفيذي يهتم بوضع أساليب خاصة لتنفيذ التدابير والعقوبات المقررة للأحداث والتي تختلف بأحكامها عن البالغين.

وخلاصة ما سبق فإن واقع عدالة الأحداث في الأراضي الفلسطينية بالٍ وضعيف وهو بأمس الحاجة إلى إحداث تغيرات سريعة وملحة ومنها الإسراع في إقرار مشروع قانون الأحداث الجانحين والتعامل مع الحدث على أنه ضحية ظروف لا شأن له فيها وضرورة إنشاء شرطة ونيابة وقضاء متخصص للنظر في الفصل بقضايا الأحداث والاهتمام بالتحقيق الاجتماعي من مرشدي حماية الطفولة وتفعيل دور مراقبي السلوك بالإضافة للامتناع عن إحالة الدعاوى إلى النيابة المختصة بالتحقيق كما هو الحال للبالغين واللجوء إلى الوسائل التي من شأنها أن تعنى بعدم عودة الحدث إلى ارتكاب الفعل المخالف قانوناً مجدداً وضرورة زيادة عدد دور تأهيل إصلاح الأحداث بحيث يصبح لدينا بكل محافظة فلسطينية دار رعاية خاصة بها بدلاً من العدد الضئيل والمحدود في مجتمعنا المحلي على اعتبار أن الحدث ما هو إلا ضحية ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية يتوجب على المعنيين رعايتهم وتأهيلهم وتقويم سلوكهم خلال فترة زمنية محددة وإعادة دمجهم داخل مجتمعهم.