الوسواس القهري

بقلم المرشدة النفسية/ رندة بركة يقول تعالى( قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، من شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس). صدق الله العظيم ليس غريبا على خبرة كل إنسان عاقل هذا الوسواس الذي يتسلط على الفرد أحيانا فيقض مضجعه ويقلق نفسه ويعكر عليه صفو مزاجه . فيسارع بطرد هذه الوساوس بالاستعانة بذكر الله إن كان من المؤمنين ، أو بالانخراط في إشكالات الحياة اليومية التي تنسيه تلك الوساوس، أو بالكبت في مواقف أخرى، وهذا الوساوس يعانيه السوي وغير السوي ، ولكنه يصل في بعض الأحيان إلى درجة من الشدة بحيث تتبدى على من يعانيه اضطرابات نفسية تحرفه عن جادة الصواب، وقد تصل به إلى اضطرابات في بعض الوظائف العقلية. ولعل ما يميز الوسواس عند العاديين عند المرضى ، أنه في الحالة الأولى لا يمتد لفترة طويلة ولا يؤثر على سلامة التفكير بشكل فعال ، ومن السهل أن يزول أي أثر له مع الزمن و الانشغالات الأخرى . أما الوسواس المرضي فيتحكم تماما في الوظائف الشعورية ، ويراود المريض بصفة مستمرة ، مجبرا إياه على التفكير والاعتقاد بطريقة معينة ، وقد يصل به الأمر إلى أداء سلوكيات نمطية معينة تعود إلى دوافع ونزعات تستحوذ على الفرد فلا يستطيع مقاومتها كهذا الذي لجأ إلى الإكثار من غسل يديه أو الإكثار من تبديل ملابسه أو تفقد مكتبه أكثر من مرة قبل أن يغادره…إلخ. وقد عرف هذا النوع من الاضطرابات النفسية أو ما عرف باسم النيورستانيا وعصاب القهر . ويقصد بعصاب القهر : صور المخاوف المختلفة والأفكار المتسلطة، مع أن التسلط يختلف عن المخاوف في أن القلق الذي يظهر في الأول يكون من عدم إنجاز الفعل بينما في الثاني يكون القلق من إتيان الفعل. أي أن المصاب بالتسلط يتخلص من القلق بعدم الخروج على عادته السلوكية ، كالسير في طريق معين أو النوم على جنب معين أو الأكل بطريقة معينة … إلخ، أما الآخر المريض بالخوف فإنه يحمي نفسه من القلق بالامتناع عن الفعل فلا يعبر الشوارع لخوفه من السيارات ، ولا يصعد الطريق العليا، ولا يركب الطائرة .. إلخ. ميز علم الأمراض النفسية بين التسلط الفكري ( الوساوس) وتسلط الأفعال (القهر) ، ويعود الفضل في تمييز أمراض الوسوسة إلى الألماني اشتيكل الذي قسمها إلى: 1. تسلط أفكار. 2. تسلط أفعال . وتعامل مع هذا الاضطراب باعتباره مركب من تسلط الأفكار والأفعال . الوسواس القهري: الوسواس القهري أحد الأمراض العصابية التي يعلم فيها المريض علم اليقين بعدم صحة أفكاره. ويأتي المرض عادة في هيئة أفكار أو اندفاعات أو مخاوف، وقد يكون في هيئة طقوس حركية مستمرة أو دورية مع يقين المريض بتفاهة هذه الوساوس ولا معقوليتها، وعلمه الأكيد أنها لا تستحق منه هذا الاهتمام، ومحاولة المريض المستمرة لمقاومة هذه الوساوس وعدم الاستسلام. ولكن مع طول مدة المرض قد تضعف درجة مقاومته، وقد تترتب على إحساس المريض بسيطرة هذه الوساوس وقوتها القهرية مشاكلُ اجتماعية وآلام نفسية وعقلية. أعراضـه : من أعراض هذا الاضطراب :- 1. تسلط محتوى ذهني معين كوجود أفكار واندفاعات أو مخاوف أو طقوس حركية مستمرة أو دوران الفكر في حلقة مفرغة. 2. يقين المريض بعدم معقولية الفكرة وتفاهة وسواسه ورغم ذلك يستسلم لها . 3. إحساسه بقوة هذا الوسواس نتيجة لما يعانيه من إجهاد ناتج وقلقه وهمومه المستمرة . مما يجعله أكثر انتباها وتركيزا على أي أعراض مرضية تصيب جسمه، وغالبا ما يعاني الوسواسي من اضطراب في الجهاز الهضمي ، ذلك أن حالة الإجهاد الذهني تؤدي إلى بطء معدل الهضم ، وهذا يؤدي إلى اضطراب في عملية الهضم تنشأ عنه اضطرابات حشوية حقيقة . 4. معاناة المصاب بصداع دائم يصاحب عملية تفكيره . هذا الصداع ناشئ عن رغبته في التركيز على فكرة معينة وعدم قدرته على التحكم في تسلسل أفكاره . ووقوفه موقف الاختيار بين الفعل الأخلاقي والفعل اللأخلاقي … ورغم ما يعانيه من صداع إلا أنه يلجأ إلى إخفاء آثاره الانفعالية وإيجاد المبررات لما يقوم به من أفعال أو أفكار . الأسباب من أهم الأسباب التي تؤدي للإصابة بالوسواس القهري: 1. الوراثة، فحوالي30% من أقارب المريض يكون لديهم نفس الاضطراب. كما أن ظهور الاضطراب في التوائم وحيدة البويضة أعلى من ثنائية البويضة. ويتداخل العامل الوراثي مع العامل البيئي، فتأثير الوالدة مثلاً، المصابة بالوسوسة في تصرفاتها، سينعكس على شخصية أطفالها سواء وراثيا أو بيئيا. 2. العامل الفسيولوجي، كوجود بؤرة كهربائية نشطة في لحاء المخ، وعلاقته بالناقلات العصبية والتي تسمى «سيروتونين». لذا تعمل الأدوية المضادة للوسواس القهري على التقليل من ناقل السيروتونين هذا. 3. طبيعة الشخصية، أي الشخصية الوسواسية التي تتصف بالصلابة وعدم المرونة وصعوبة التكيف والتأقلم للظواهر المختلفة. وقد تبين أن الشخصية الوسواسية لا تظهر إلا بعد 20ـ 25 سنة من حالات الوسواس القهري. 4. المشاكل الاجتماعية، فالوسواس القهري له علاقة بالقلق الشديد أو الاكتئاب. 5. الأعراض السريرية ـ أفكار وسواسية وأفعال قهرية في صورة طقوس حركية. 6. فكرة خاصة أو صورة لمنظر ما، جميل أو كريه، أو جمل معينة ترد على مخ المريض فتسيطر عليه. 7. اندفاعات تجعل المريض يشعر برغبة جامحة لأن يقوم بأعمال لا يرضى عنها، ويحاول مقاومتها. ولكن هذه الرغبة تسيطر عليه بإلحاح وبقوة، وعادة ما تكون هذه الاندفاعات عدوانية أو انتحارية، إذ يشعر المريض بالرغبة في رمي المارة في الشارع أو إخوته من الشرفة أو إلقاء نفسه من الأدوار العليا أو القطار أو الأتوبيس. 8. اجترار الأفكار (Rumination)، فتنتاب المريضَ أفكارٌ وأسئلةٌ لا يمكن الإجابة عنها، ويحاول التخلص منها من دون جدوى، كالسؤال التقليدي (خلقنا الله؛ إذا مَنْ خَلقَََ الله؟). وطالما سألنا أنفسنا هذا السؤال، ثم طردناه من ذهننا. لكن المريض يرد على هذا السؤال أو يتساءل لماذا نعيش ولماذا نموت، ولن يحتل تفكيره سوى هذا السؤال، ولن يستطيع القيام بأي نشاط ذهني آخر• ـ المخاوف القهرية ((phobia، والتي ترتبط بالأفكار أو الصور ثم الاندفاعات والطقوس الحركية، فتكون المخاوف وسيلة للهروب من الموقف القهري الذي تسببه الأفكار الأخرى• ـ الطقوس الحركية (Rituals)، نتيجة الرغبة الخاصة المسيطرة للقيام بحركات معقدة، ومن أشهر الأمثلة غسيل الأيدي مئات المرات أو غسيل الجسم بعد عمليات التبول أو التبرز أو أثناء فترة الطمث• وهناك مرضى يمكثون في الحمام من ثلاث إلى خمس ساعات متواصلة لإنهاء عملية الاغتسال، وبالطبع تنتهي هذه العملية بإنهاك شديد وضياع الوقت. العلاج والوقاية يتحسن حوالي ثلث أو نصف المرضى في غضون خمس سنوات. وقد أثبتت بعض الدراسات أن 1 ـ 12% من حالات الوسواس القهري تتحول إلى مرض شبيه بالفصام، ويختلف العلماء في تفسير مدى هذا التحول. ويعتقد انسل في عام 1990 أن الذهان الناتج عن الوسواس القهري، يختلف أساساً عن الفصام، ويحتمل أن يكون نوعا مستقلا من الذهان له مسبباته البيئية ومصيره يختلف عن الفصام، ويسمى بالوسواس الذهاني، لكن شخصية المريض تكون متماسكة. ويشمل العلاج 1. العلاج النفسي: أ‌. يحتاج مريض الوسواس القهري إلى علاج نفسي، وذلك عن طريق تفسير طبيعة الأعراض وتشجيعه وطمأنته بأن حالته بعيدة عن الجنون والتقليل من خوفه على ملكاته العقلية. ب‌. محاولة الكشف عن العوامل الدفينة التي أدت إلى هذه الأعراض. 2. العلاج البيئي والاجتماعي: يحتاج المريض أحيانا إلى تغيير مكان العمل والسكن حتى يبتعد عن مصدر الوساوس، خاصة إذا كانت له علاقة بالخوف من هذه الأمراض أو التلوث بالميكروبات. ـ العلاج الكيميائي: تعين أحيانا العقاقير المضادة للقلق والاكتئاب والأدوية المساعدة في اختفاء التوتر والاكتئاب المصاحبين للوساوس، مما يجعل المريض قادرا على مقاومته راغبا في الاستمرار في نشاطه الاجتماعي، ومنها البروزاك. 3. العلاج الكهربائي: وإن كان لا يفيد في حالات الاكتئاب الشديدة والأفكار السوداوية. 4. العلاج السلوكي: وهو الأول في العلاج للوسواس القهري وخاصة في حالات المخاوف والطقوس القهرية إما بالتحصين البطيء أو التعرض المباشر ثم الامتناع. 5. العلاج الجراحي: ويستعمل في الحالات المزمنة التي لا يفيد العلاج السلوكي أو الدوائي معها. 6. العلاج التدعيمي ورفع الذات والثقة بالنفس: كثرة الاستغفار والدعاء وإتباع الأساليب العلمية والطبية السليمة إضافة إلى طلب مشورة العلماء.