ورقة عمل بعنوان:دور المنظمات الأهلية في السلم الاجتماعي

يوم دراسي بعنوان: دور المنظمات الأهلية في تنمية المجتمع الفلسطيني إعداد/ إياد أبو حجير تعريفات: المنظمات الأهلية (أو الغير حكومية): هي إحدى مكونات المجتمع المدني، وهي تجمُع منظم لمجموعة محلية أو وطنية أو دولية جمعتهم قيم وأهداف مشتركة يعملون على تحقيقها بشكل طوعي مستقل نسبياً عن الدولة الرسمية، ومكملاً لدورها ومؤثراً في أدائها. إن المنظمات الأهلية تستطيع أن تصل إلى حيث لا تستطيع الحكومة الوصول، وتستطيع امتلاك معلومات أفضل بشان احتياجات المجتمعات المحلية ومعرفة أفضل السبل لتلبيتها، إضافة إلى تحديد الفئات الاجتماعية التي تستحقها وبطريقة أكثر مرونة وفاعلية من أجهزة الدولة البيروقراطية والبعيدة عن معايشة الواقع وتلمس المستجدات. كذلك تلعب المنظمات الأهلية دوراً محورياً في عملية التنمية من خلال التنسيق وتكامل الدور مع القطاعين الرسمي والخاص. ويمكن أن نقسم المنظمات الأهلية إلى أربعة أنواع حسب النشاط الذي تمارسه وهي: 1. منظمات أهلية خيرية، وتضم مجمل المنظمات التي تعمل في المجال الخيري والإغاثي الإنساني بالشكل التقليدي المعروف؛ 2. منظمات الخدمة والرعاية الاجتماعية والثقافية، التي تنشط في تقديم الخدمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية وفي رعاية الأطفال والمرأة والمعاقين والمسنين والأنشطة الرياضية والثقافية والفنية وغيرها؛ 3. منظمات أهلية دفاعية، وهي منظمات الرأي والتأثير مثل منظمات حقوق الإنسان والدفاع عن المرأة وحقوق المعاقين والأطفال والبيئة …الخ؛ 4. منظمات أهلية تنموية، وهي منظمات تهدف إلى تحقيق التنمية في إطار مجتمع محلي محدد من خلال المشاريع التنموية وبناء القدرات وإتاحة الفرص لطاقات المجتمع بالعمل والإبداع في المجالات المتعددة. وقد تجمع بعض المنظمات في رؤيتها ورسالتها أكثر من نوع من الأنواع الأربعة السابقة. السلم الاجتماعي: يمكن تعريفه بأنه حالة السلم والوئام داخل المجتمع نفسه، وفي العلاقة بين شرائحه وقواه، وهو يعكس سلامة العلاقة الداخلية بين مكونات المجتمع وإمكانية تطوره ونهضته، وإذا ما فقدت حالة السلم الاجتماعي أو ضعفت داخل المجتمع، فإن النتيجة الطبيعية لذلك هي تدهور الأمن وزعزعة الاستقرار وبالتالي تراجع فرص التنمية والنهوض مما يقود المجتمع نحو التخلف. وإن أهم مقومات تعزيز السلم الاجتماعي في أي مجتمع هي: • شرعية السلطة ومركزيتها؛ • العدالة الاجتماعية؛ • سيادة القانون؛ • استقلال القضاء؛ • احترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات. واقع السلم الاجتماعي في فلسطين: لا شك أن المتتبع لواقع العلاقات الداخلية الفلسطينية يرى في السنوات الأخيرة تدهوراً في طبيعة هذه العلاقات سيان على المستوى السياسي أو الاجتماعي، وقد زاد من حده هذا التدهور الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني والذي جاء نتيجة تراكمات وممارسات سلبية أسهمت في إحداث جولات من الاقتتال الداخلي كان آخرها أحداث حزيران 2007 والتي نتج عنها الانقسام الحاصل وما تلاه من تكريس وتعميق لهذا الانقسام انعكس بالضرورة على العلاقات الاجتماعية الفلسطينية في كل من غزة والضفة. وعلى الرغم من أن المجتمع الفلسطيني لا توجد به مقومات استمرار الانقسام والحرب الأهلية والاقتتال الداخلي كما هو الحال في مجتمعات أخرى تتكون من أعراق مختلفة، وطوائف دينية متعددة، إلا أن السلم الاجتماعي تراجع بشكل ملحوظ في طبيعة العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمع الفلسطيني، وخصوصاً الاستقطاب الحاد لكل من حركتي فتح وحماس على جميع المستويات تقريباً، مثل الشباب واتحادات الطلبة والنقابات المهنية والأندية الرياضية والمرأة، والمؤسسات الغير حكومية والمجموعات المختلفة، حتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى رفض الزواج بمن هو مختلف في الانتماء السياسي. وتدهورت العلاقات الاجتماعية إلى حد غير مسبوق بين الفلسطينيين الذين يدركون أن ما يجمعهم هو أكثر بكثير مما يفرقهم. ورغم استقرار الأوضاع من الناحية الأمنية نسبياً، والقضاء تقريبا على حالة الفوضى والفلتان الأمني التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في أواخر الانتفاضة الثانية، إلا انه يسود الاعتقاد في أوساط المجتمع الفلسطيني بان الانقسام الحالي هو أخطر ما يواجه الفلسطينيون منذ عقود خلت، إذ لا زالت قضية الاعتقال السياسي تمنع أي تقدم على صعيد المصالحة الوطنية، وتسهم في تعميق حالة الانقسام وزعزعة السلم الاجتماعي، وما زال التحريض مستمراً سيان عبر وسائل الإعلام والمساجد والمنابر المختلفة، وهذا يسهم بشكل سلبي في زيادة تفكك العلاقات الداخلية الفلسطينية التي هي بحاجة إلى الصيانة والترميم لا إلى مزيد من التهتك والتدهور. يرافق ذلك أوضاع معيشية صعبة للغاية، ففي قطاع غزة مازال الحصار مفروضا على حركة البضائع والسكان، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة إلى أكثر من 80%. والضفة الغربية لا زالت مقطعة الأوصال وتملؤها الحواجز، وما زالت القدس تهود وحمى الاستيطان مستعرة، والجدار يستكمل بناؤه، فإذا ما أضفنا كل ذلك إلى تهتك السلم الاجتماعي وضعف وتردي العلاقات الفلسطينية الداخلية، معنى ذلك أننا نسهم بأيدينا في ضياع مستقبلنا ومستقبل قضيتنا قاطبةً، مما يجعل هذه المرحلة التي نعيش هي من أصعب واخطر محطات الشعب الفلسطيني وتلقي هذه الحقيقة بثقلها على القيادات الفلسطينية في كل من غزة والضفة من أجل القيام بمراجعة شاملة لمجمل ما آلت إليه الأوضاع خصوصاً على الصعيد السياسي والاجتماعي، وان يتحملوا مسئولياتهم بأمانة في وقف هذا التدهور الخطير. دور المنظمات الأهلية في تعزيز السلم الاجتماعي دراسة حالة “المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات” تعتبر المنظمات الأهلية مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع المدني في فلسطين، وتقوم هذه المنظمات بأداء دورها في مجالات إغاثية وخدماتية وتنموية وتثقيفية عديدة مما يؤهلها أن تلعب دورا هاما ومحوريا لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وفي تعزيز السلم الاجتماعي بين مكونات المجتمع الفلسطيني، ولكن هذا الدور المرتقب ما زال باهتا وضعيفا ومحدود التأثير. وانه من الإنصاف القول بان ضعف دور المنظمات الأهلية الفلسطينية في الضغط على طرفي الصراع فتح وحماس من اجل تحقيق المصالحة الوطنية والتخفيف من حدة الانقسام الاجتماعي يرجع إلى أسباب وعوامل ذاتية وموضوعية وقد يكون العامل الموضوعي اكبر من أن تحدث هذه المنظمات فيه اختراقا. ونقصد بالعامل الموضوعي هنا ما يلي: 1. تعقيد وتشابك ملفات المصالحة الوطنية الفلسطينية؛ 2. التدخل الخارجي الذي يعطل تحقيق المصالحة؛ 3. الفصائل السياسية وحركات المقاومة هي من يقود التغيير داخل المجتمع الفلسطيني. أما العوامل الذاتية والمتعلقة بمنظمات العمل الأهلي والتي أضعفت دورها فهي: – التنافس وضعف التنسيق بين هذه المنظمات؛ – محدودية الإمكانات وعدم دعمها من قبل الحكومة وعدم اهتمام معظم المانحين بموضوع المصالحة؛ – تسييس عمل العديد من المنظمات الأهلية وخصوصاً التي تتبع طرفاً من الأطراف؛ – البعد النسبي عن الجمهور وضعف المصداقية في المجتمع. وفي ظل هذا التشابك والتعقيد أطلق المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات “الحملة الشعبية للمصالحة الوطنية” والتي تضمنت فيماً تضمنت تعزيز المصالحة الاجتماعية بين الفلسطينيين وترسيخ مفاهيم وأدبيات السلم الاجتماعي داخل المجتمع. وهنا نوجز باختصار أهم أنشطة وفعاليات الحملة الشعبية للمصالحة الوطنية: 1. إطلاق الحملة الشعبية للمصالحة الوطنية خلال مسيرة نظمها المركز الفلسطيني بمدينة غزة لهذا الغرض في نوفمبر 2007. 2. إصدار وثيقة المصالحة الوطنية في فبراير 2008 والتي لا زلنا نعتبرها تصلح أساسا لتحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وتضمنت الوثيقة اقتراحات عملية وحلولاً لكافة جزئيات الخلاف خصوصا في الملفات التالية: أ‌. منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها ب‌. مكونات النظام السياسي الفلسطيني ت‌. الانتخابات ث‌. الملف الأمني وقد تم طباعة ربع مليون نسخة من الوثيقة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وتم تجنيد مئات المتطوعين لجمع التوقيعات على هذه الوثيقة بعد قراءتها والموافقة عليها من قبل المواطنين البالغين فوق سن 18 عاما، حيث بلغ عدد التوقيعات أكثر من 330,000 توقيع، وقد أسهمت بشكل حقيقي في تعزيز الوعي المجتمعي بالمصالحة الوطنية. 3. تم تنظيم ثلاث مسيرات جماهيرية متزامنة في ثلاث مدن هي غزة والخليل ونابلس وذلك في ابريل 2008 بهدف الضغط على قيادات فتح وحماس للقبول بالمصالحة وتحقيقها. وقد شارك الآلاف من المواطنين في تجمع غير مسبوق لمنظمة أهلية نحو قضية هامة مثل المصالحة الوطنية. 4. تم تسليم الوثيقة لقيادات حركتي فتح وحماس مشفوعة بمئات الآلاف من التوقيعات في لقاءات رسمية مع قيادات الحركتين في الضفة وغزة، في رسالة واضحة لهما أن المواطن الفلسطيني واعي لقضيته ويطالب بالمصالحة ويتحرك لها من أجل تحقيقها لأنها تعني مستقبله ومستقبل أبنائه، وتأتي هذه الخطوة دعماً لجهود المصالحة من جهة وممارسةً لمزيد من الضغط على الطرفين من جهة أخرى. 5. تم عقد مؤتمر “فلسطين تختار المصالحة” في يونيو 2008 في كل من غزة والضفة عبر الفيديو كونفرنس، وشاركت في المؤتمر قيادات من الطرفين للمساهمة في تعزيز اللغة المشتركة ووقف التحريض والممارسات الانقسامية. 6. تم تنفيذ عشرات ورشات العمل في غزة والضفة وخصوصاً بين فئات الشباب لتعزيز التسامح وثقافة الحوار وقبول الأخر. 7. تنفيذ العديد من الأنشطة الإعلامية التي تسهم في تعزيز السلم الاجتماعي. 8. إطلاق العديد من الأنشطة الرياضية التي شارك فيها الشباب من الطرفين مثل ماراتون رياضي من اجل المصالحة، ودوري كرة قدم وكرة التنس وكرة الطائرة والسباحة..ـالخ كلها تهدف إلى تقديم نموذج من التسامح والمحبة بين شباب فلسطين على الرغم من اختلاف انتماءاتهم السياسية، وقد كانت هذه الأنشطة فعلاً تضم شباباً من الطرفين لتقديم نموذج في التسامح والمحبة. 9. التواصل مع لجنة المصالحة الاجتماعية في حوار القاهرة بهدف تسهيل خطوات وإجراءات لإخراج المصالحة الاجتماعية إلى حيز الوجود بعد الاتفاق الكامل على مجمل القضايا المطروحة. ونحن في المركز الفلسطيني نعتبر أن إطلاق الحملة الشعبية للمصالحة الوطنية هو استكمال وبناء على جهد القوى المختلفة في المجتمع الفلسطيني لتحقيق المصالحة، ولكن ما يميز الحملة الشعبية عن غيرها من المبادرات أمران: 1. طرح الحملة لوثيقة المصالحة الوطنية بتفاصيل دقيقة تناولت جزئيات كل إشكالية مع طرح مقترحات لحلها وتبيان الغاية من كل مقترح، مع ترك باب الاجتهاد في بعض الجزيئات. 2. اعتماد الحملة على الضغط الشعبي الجماهيري ونزولها للشارع وتلمسها لاحتياجات وهموم المواطن الفلسطيني. إننا في المركز الفلسطيني مع إدراكنا لأهمية تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام، بدأنا في توجيه الجهد أكثر نحو المصالحة الاجتماعية والسعي الجاد الحثيث لتحقيق السلم الاجتماعي وحل الإشكاليات القائمة بين الأفراد والعائلات كنتيجة لحالة الانقسام، وعلى الرغم من سرعة توافق لجنة المصالحة الاجتماعية في حوار القاهرة على حل الإشكاليات الناتجة عن أحداث الانقسام إلا أن هذا الملف لا زال شائكاً ويحتاج تضافر الجهود الرسمية والشعبية الأهلية لانجازه وتجاوزه، وإلا فانه قد يفجر أي اتفاق أو توافق، وبذلك فان السلم الاجتماعي الحقيقي يشكل رافعة حقيقية لتحقيق المصالحة الوطنية إن شاء الله. ختاماَ فإننا نوصي بما يلي: 1. ضرورة أن تتحمل قيادات حركتي فتح وحماس مسئولياتهما تجاه تعزيز السلم الاجتماعي في كل من الضفة وغزة، وأن يجنبا عموم الشعب التجاذب والمناكفات السياسية؛ 2. أن تأخذ فصائل العمل الوطني والإسلامي دورها في تعزيز السلم الاجتماعي داخل المجتمع الفلسطيني؛ 3. وقف التحريض الإعلامي عبر المنابر الإعلامية المختلفة؛ 4. تعزيز لغة التسامح والحوار خصوصاً بين الشباب من أطراف الصراع، وذلك من خلال أنشطة مشتركة ثقافية وفنية ورياضية؛ 5. رفع مستوى التنسيق بين المؤسسات الأهلية من أجل ترسيخ مفاهيم السلم الاجتماعي ولممارسة الضغط على المسئولين من لتعزيز السلم في المجتمع؛ 6. ضرورة أن يلعب الإعلام دوراً ايجابياً وأن يكون إعلاما تصالحياً يدعو للوحدة والوئام داخل المجتمع ويبتعد عن التوتير والفتن؛ 7. على صعيد الأسرة، من واجب الآباء أن يجنبوا أطفالهم وأبناءهم أي تعصب حزبي أو سياسي، وأن يرسخوا في نفوسهم قيم المحبة والتسامح؛ 8. أن تتبنى وزارة التربية والتعليم العالي برامج وأنشطة داخل المدارس تعزز مفاهيم وممارسات السلم الاجتماعي وتجنب الطلبة التعصب الحزبي.