كنت نبراساً يضيئ على طرقات الظلمات و الآن أصبحت هذه الطرقات هي من تطفئ نبراسي

رسالة أخبار اليوم و ذكريات الأمس نرجس : إنها الزهرة التي لا يريدها بستانها إلا إذا أراد شم رائحة عبيرها. تتسائل نرجس من هي الأنثى ؟ هل هي إنسانة من بني البشر؟ أم هي فقط جسد مسلوب منه الإنسانية؟ إثنان وعشرون عاماً عشتهم ولا يوم واحد أحسست به بإنسانيتي ، بكرامتي التي جردها مني ذاك البعل، “أتلف أعصابي” – أمسك بدبوس وسلطه على جسدي وبقي يدخل بهذا السلاح إلى أتلفني- جعلني مدمنة على أدوية أعصاب مهدئة ، لم أكن أعلم بأن تلك الأدوية ما هي إلا مجرد سموم تدخل إلى الجسم ولا تخرج منه ، إلا أن إرادتي القوية كانت هي السلاح الوحيد أمامي لإخراج تلك السموم و البعد عن تناولها. معاناة كبيرة – أعلم بأن القارئ و القارئة قد يظنون بأن حكايتي ما هي إلا أسطورة . أعيش في وسط المدينة لكنني عشت حياة تشبه حياة البدو الذين يتنقلون دائما باحثين عن الماء و العشب. نعم هكذا حياتي و حياة أولادي التي فرضها علينا من لا يعرف معنى المسؤولية- مسؤولية بيت وزوجة و أولاد لهم متطلباتهم لهم احتياجاتهم ، وعندما كنت أذهب إلى بيت أهلي و أشكو إليهم همي و عوزي أنا و أولادي إلى رغيف الخبز ، لم يسمعوني بل يضعوا على عاتقي كامل المسؤولية و يقولون لي ” هادا نصيبك و بدك تتحملي شو نعملك شو طالع بايدنا” وعندما كنت أتجرأ و أواجه زوجي و أعترضه على طريقة معيشتنا لم ألقى منه سوى تلك الصفعات التي تنزل على وجهي و تتناثر على كل أنحاء جسدي ، حينها لم أجد من يدافع عني و يحميني من تلك الضربات التي في إحدى مراتها تسببت في كسر أنفي ، وغيرت ألوان وجهي إلى ألوان ألأزرق و الأخضر و الأصفر . لم أجد من يدافع عن انسانيتي أمامه، لم أجد من يرشدني كيف اواجه او أتعامل معه ،أو أتخلص من ظلمه،لم أجد من يسمعني ، وفي ذات المرة خطر ببالي أن أستخدم الورقة و القلم كوسيلة لمواجهته .. مسكت القلم وبدأت أكتب له عن المعاناة النفسية و الجسدية التي سببها لي من عنفوانه و ساديته التي مزقت روحي بل وإن أجزت التعبير إنسانيتي إلى أشلاء تناثرت ، تناثرت صارخة بعبارات كلماتها تحمل في طياتها كل معاني القسوة و الشقاء و الظلم . وعندما انتهيت من الكتابة ، كتابة ذكريات الماضي و الحاضر نعم حاضري له ذكريات لأن هذا الحاضر سيمر عليه سيان ما مضى على الماضي – ما أسهل أن نعيش نحن و الذكريات و ما أصعب أن لا تبقى معنا ، لم تكن لدي الجرأة لأقدمها له ، استعنت بإحدى بناتي و قلت لها أريد منك أن تعطي لأبوك هذه الورقة في الحال ، حينها سألتني إبنتي ماذا مكتوب بها؟ ولماذا لا تعطيه اياها أنت؟أجبتها: اذهبي ولا تكثري الأسئلة و قولي له إقرأ أخبار اليوم و ذكريات الأمس. وقفت خلف الباب ومن بين فتحاته بدأت أراقبه ، بدأ يقرأ – لاحظت أنه للوهلة الآولى اندهش مما هو مكتوب – استمر بالقراءة للنهاية و لكنه لم يبدي أي تعليق و كأنه لم يقرأ شيئاً أبداً أبداً أبداً . ظننت بأن تلك الكلمات قد تحرك به شيئاً من الإحساس بظلمه لي و للأولاد – اندهشت من صمته تمنيت بأن يواجهني حتى وإن وكان بالضرب أو الشتم – لكنه لم يواجه لم يبدي الموضوع أي إهتمام – تجرأت في هذه المرة و صرخت بوجهه تكلم؟.وما كان رده إلا: (“أنا مش ظالم و عارف حالي و بلا كلام ناقص )” . وتركني و خرج من المنزل ، و جلست أبكي و أبكي كادت دموعي تحرق وجهي. السعادة و الفرح كلمات تسمعها أذني لم ينطق بها لساني ، لماذا؟ لأنني لم أشعر بها لم أعشها- لم أتذوق حلاوتها ، كم تمنيت أن أعيشهما ؟ كم تمنيت أن يكون لأولادي أب فاضل يحسن تربيتهم ، يهتم لتعليمهم ، يجلس معهم و يسمع لمتطلباتهم و لمشاكلهم ؟ كم تمنيت أن يكون لي زوج صادق في كلامه لأفعاله ، في إحدى المرات ، رجع إلى البيت و قال لي يا مرة قومي إلبسي بدي اوخدك عالسوق و أشتريلك أواعي ، أستغربت و قلتله ” امنلك المصاري وبعدين معقول الي بتحكي فيه” ، قلي : (” ولاً عمري مزحت معك؟”) قلت يا بنت بركي هالرجال عقل – يلا بنروح مش خسرانة اشي؟ وصلنا السوق ودخلنا على محل ببيع ملابس نسائية ، قلي اختاري إلي بدك اياه؟ بديت أختار و اخترت تنورة و دخلت على غرفة المقاس في المحل و لما خرجت بسأل صاحب المحل عن زوجي قلي : (“ظلع من شوي )”، رنيت على جوال زوجي و لما رد علي قلتله وين إنت؟ قلي:(” زي ما اخرجت من البيت ما إنت بتعرفيه -ارجعي لحالك”). حينها لم أكن أملك شيكل واحد لأرجع ، رجعتها مشياً على أقدامي . هذه من بين القصص التي مهما أكتب عنهم قد يظن القراء أن بها شيء من المبالغة . اضطررت أن أعمل مدرسة في رياض الأطفال ، و أن أعطي دروس خصوصية في البيت لأولاد الحارة ، حتى أستطيع أن أصرف على نفسي و على أولادي أعتمدت على نفسي في كل شيء ، قبلت العيش الضنك ، و على الرغم من ذلك لم أسلم من ظلمه ، طعن بشرفي و ذم بأخلاقي ، وبدأ في كل مجلس ينسج من خياله قصص يطعن فيها بأخلاقي. إنني أكتفي بما صرحت به و أتوقف إلى هنا لكن مأساتي و معاناتي لم تتوقف . بقلم : رنا النوري