غربة النساء

بقلم : هنادي القدومي

نائمة على وسادتي حزينة لطالما تمنيت من يشاركني ولو للحظتي نومتي الأليمة ….لحظات سلبت مني مشاعري الجميلة اعترفت لنفسي بأنّني حقاً وحيده أعيش معها بوحدة قاتلة في زوايا ركن بيتي القديم هكذا شاءت الأيّام وكتب لي القدر الوحدة ثم الوحدة … لم أشعر منذ زمن طويل بدفء ينسّيني غربتي المريرة أو حتى بأولاد يجعلون من بيتي شجرة سعيدة …. أدركت مع أيّامي أنني دوماً وحيدة أداعبها… أقويها … أقسو عليها ومع هذا فأنا دوما ًوحيدة…
عنواني من الحياة !!

امرأة عجوز في الخامسة والسبعين من العمر, نحيلة الجسد, بيضاء البشرة ،عيناي زرقاوان , ضعيفة البصر , ملامحي هزيلة حزينة , طويلة القامة ولي جدلتان من الذهب , ملابسي بسيطة جميلة ممزوجة بألوان التراث الفلسطيني , أصلي من قرية ديرستيا ، لكنني تزوجت وسكنت مدينة نابلس منذ زمن طويل , عايشت أهلها فتعايشت معهم , فأصبحت واحدة منهم .

وكعادتي وحيدة، طُرق الباب فاتجهت إليه مبتسمة معتقده ابنة أخي وراء الباب، ففتحت الباب فوجدت شابة في العشرين من عمرها فَطَرحت عليّ السلام بصوت عال فرددت بسرور قائلة وعليك السلام ، ودعيتها للدخول فدخلت وسألتني هل يوجد عندك أي أضرار خلال الاجتياح الأخير لمدينة نابلس، فأنا وزميلاتي نحصي أضرار البلدة القديمة , فقلت لها بصوت منخفض لا يوجد عندي أي أضرار ولكن .. سَكت… فجلستُ بجانب الفتاه وقد كانت تنظر إلي باستغراب بين اللحظة والأخرى . سألتها ما بالك يا فتاة لما تنظرين إليّ هكذا ؟!! فَرَدت علي وقالت كأنني أعرفك منذ زمن ، فطلبتُ منها شرب القهوة معي لم تمانع الفتاة بل كانت سعيدة بذلك.

وبعد حديث طويل بيننا سألتني الفتاة لماذا تعيشين لوحدك يا حجة؟ أليس لديكِ أقارب ؟!!
نظرتُ لنفسي ولم أجب، وخيّم الصمت على ملامح وجهي الهزيل وقلت لقد مات زوجي ولم أنجب أولاد ولكن لي أخ وعنده زوجة وبنت.. ترددّت بالإجابة ولكنني شعرت بارتياح لأنني أتكلم عن نفسي، لا أحب مضايقة أحد… كررتها عدة مرّات فقالت الفتاة, أتفضلين العيش مع جدران بيتك الوحيد على العيش مع أخوك وزوجته ؟! شعرتُ بمرارة الحياة وقسوتها ، وكانت تنظر إليّ باستمرار فأرى وجهها ممزوج بين الحزن عليّ تارة وبين الفرح تارة أخرى.

وقالت الفتاة وهي ترشف القهوة: أتقبلين أن أزورك بين الحين والأخر فأسعدت كثيراً بطلبها وقلت لها ياريت يا ابنتي اسمحي لي بمناداتك بابنتي. وأصبحت الفتاة تزورني بين فترة وأخرى تفطر معي وأحياناً تأكل معي وجبة الغداء وفي بعض الأحيان تقضي معي وقتها.

كنت سعيدة بمعرفتها فكانت تأخذ مني وقتاً من الوحدة فنتقاسمه مع بعضنا البعض. كنت انتظرها دائما ً اعتدت عليها واعتادت علي , لكن بعد مدة قصيرة وعندما كنت أقوم لصلاة العشاء قطعُ التيار الكهربائي فنهضت مسرعة لامسك بيد الكرسي لكنني لم أكن لأقف حتى وقعت على الأرض بقوة ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في المستشفى وكنت أشعر لحظتها بخوف شديد ، فنظرت إلى جسدي وأنا متعبة منهكة فأدركت ما حصل لي، كُسرت قدمي كسر من لي عون في وحدتي وسكوني … أتعسني قدري فأنا عبئاً على نفسي، وألان لمن سأكون؟!

وبعد مدة قصيرة من بقائي في المستشفى ، تم نقلي إلى بيت أخي ولم يكن لدي أي خيار لذلك نقلت وأنا مجبرة – مجبرة الأحاسيس والمشاعر – هناك أناس كثيرون أمثالي , أجبرتهم أقدارهم على العيش وحدهم رغم وجود أناس حولهم , وأقدار أخرى تجبرنا على العيش مع أناس بعيدون عنا في المشاعر والأحاسيس ؟!.