على الرصيف كان القرار!!

كتبت:سمر شاهين
كانت الساعة تشير الى الثانية عشر ظهرا، حينما صدح هاتفي النقال برنته المعهودة_ انتم في القلب انتم_ و قبل ان ابادر بالتحية جاءني صوت من الجانب الاخر يبكي على غير هدى.. يستغيث.. يرجوني الحضور في الحال لمكان وعنوان سجلته على ورقة واسرعت مهرولة لتلبية النداء، ولساني يلهج بالدعاء الى العلى القدير ان يكون الامر بسيط ولا يتعدي سوى تقديم خدمة عاجلة، الا ان المفاجاة كانت اكبر من كل التوقعات وان الحدث الذي كان بانتظاري كاد ان يقضى على و لكنى ابيت الانهيار وقررت المساعدة ايا كانت النتيجة!!
… بداية الحكاية كانت على رصيف في حي النصر بمدينة غزة، حينما التقيت تلك الفتاة (21
عاماً) التى اتصلت على للتو، وكنت قد التقيتها ذات مرة في مستشفى الشفاء بقسم الحروق حيث كانت تعاني من حروق درجة اولى في الجزء العلوى من الجسم،وقد شفت من ذلك، وقبل ان ابادرها بالتحية اخذت تسرد لى الحكاية ، و شعرت لحظتها اني اسمع فصولا من المعاناة -التي تعانيها المراة الفلسطينية – وضعت بدايتها لحظة ان اجبرت والدتها على الزواج من والدها ، وصولا لتعرضها للحريق من قبل زوجة ابيها الى هذه اللحظة التي كشفت فيها عن سر دفين حينما قالت لي:” فكرت كثيرا ولم اجد احد امامي الا انت فساعديني او ساهمي في قتلى الان”.
وحاولت ان اخفف عنها الا ان الافكار تزاحمت في عقلي فماذا تحمل لي من مفاجاة خلف هذه الدموع التي كادت ان تحفر على وجنتيها مجرى من شدتها وغزارتها.
وحينما سكتت برهة سالتها عن سبب كل هذا الحزن والالم والدموع ..وهل توفى والدها ام انها ستجبر على الزواج بالاكراه من شخص لا تريده وتتكرر الماساة … اسئلة عديدة والاجابة كانت كلمة واحدة لا ..
ثم همست بكلمات لم افهم منها سوى :” انا حامل” للحظة لم اتمالك نفسي وجلست على الرصيف في الطريق وشعرت بدوار… وكنت محتاجة لمن يكذب ما سمعته كيف لفتاة لم يسبق لها الزواج ان تكون حامل وكيف لي ان اساعدها وقد اتخذت للتو عهد على نفسي بالمساعدة.
وبدات بسرد قصتها ولكن اذاني صمت وكنت افكر كيف لي ان اساعدها لمن اتوجه ماذا سيقال عني هل انفذ الوعد ام اهرب واتركها بعد ان ائتمنتني على سرها اعرف اسمها واسم عائلتها بل لقد زرتها ذات مرة وهي مازالت تقبع على سرير الشفاء في المستشفى وزودتها برقمي هاتفي النقال اذا احتاجتني يوما ، ولم استفيق الا حينما قالت لى انا لا اعرف كيف حدث الامر كل ما اعرفه انني قبل اشهر ذهبت للبحث عن فرصة عمل لاعالة نفسي في ظل الوضع الاقتصادي السئ الذي تعيشه اسرتي وقد استقليت سيارة بها عدد من الشباب ولم استفيق الا وانا في مكان لم اعرفه وفقط مجموعة من المارة في ذلك المكان الذي وجدت نفسي فيه قد ساعدوني على الوصول الى منزلي وقد احتفظت بالامر لانني لم اتوقع ان اكون تعرضت لحادثة اغتصاب.
دموعها ..توسلاتها..واهاتها.. وانينها.. كانت اقوى من كل قرار لتبدا معها رحلتي في علاج المصاب، ولان الخوف هو الذي سيطر على بعد ان قالت لي ان اهلى علموا بامرى وبانني حامل وقد طلبوا منى ان لا اعود الى المنزل الا وقد تخلصت من ذاك العار الذي لا ذنب لي به…
رحلة لم تتجاوز الا الساعات بصحبتها قضيتها بدموع الالم هائمة ابحث عن مخرج لتلك الازمة الذي جلبها لى عهد قطعته على نفسي بمساعدة الاخرين لاسيما النساء الى ان اشار على احدهم بطبيب سيقوم بالمهمة على اكمل وجه وان المبلغ المطلوب تجاوز كل التوقعات تركتها لدى الطبيب وقد اودعت عنده بعض المبلغ الذي طلبه وقطعتين من الذهب الى ان اتمكن من توفير المبلغ المطلوب خلال ساعات.
عدت لعملى وتانيب الضمير يلاحقني واشعر اني الان قد وقعت في خطأ كبير ..هل تسرعت.. هل ساهمت في ازهاق روح.. هل اسات فهم مساعدة الاخرين.. هل ستنجو تلك الفتاة ..ام سيكتب لها شهادة وفاه؟ اسئلة اجاباتها كانت مبهمة لا اعرف لمن اتوجه شعرت للحظة بضعفي وعجزي.. الى ان تمالكت نفسي وبادرت بالاتصال على مفتى المدينة شرحت له الامر كله ودموعي كانت تسابق كلماتي ولم يهدأ لي بال الا حينما قال :” لقد اختارك الله عزوجل لستر على الاخرين فكيف اذا ما كانت بفتاة .. فهنيئا لك بنيتي”.
هذه حادثة.. تفاصيلها ومجرياتها دارت في اروقة مدينة غزة ومن المؤكد انها ليست الحادثة الاولى ..فالعنف والاعتداء على الاخرين مازالت الاحاديث تسمع عنه هنا وهناك .. ورغم جملة المشاريع التي عملت على تنفيذها مؤسسات المجتمع المدنى الا ان السجلات الرسمية في مراكز الشرطة مازالت ترصد العشرات من الحوادث المختلفة ومنها حوادث الاعتداء .. ويبقى السؤوال الكبير الذي يطرح نفسه الى متى ستبقى هذه المشاريع تذهب ادراج الرياح ولا تحقق اي فائدة مرجوة.. ولعل الازدياد الكبير في تلك الحوادث وغيرها يدلل على فشل العديد منها في تحقيق اهدافه.
ولان الخطر يحدق بنا من كل صوب وحدب فلابد لنا من ان انتهاج اسس تربوية سليمة قادرة على خلق جيل يواجه التحديات ولا يكون للاخطاء مكان في حياته مهما صغرت او كبرت .