المرأة وجـرائـم الـشـرف-نظرة نقدية للإعلام الفلسطيني

سمر شاهين
تشبيه شرف المرأة في فلسطين بـعود الكبريت الذي يشتعل مرة واحدة كان ولا يزال تفكيراً سائداً يتوارثه الابن عن الأب على مر الاجيال. ولما كان الخوض في تفاصيل مثل هذه القضايا محظورا على وسائل الإعلام، تبقى تفاصيلها تتسم بالغموض، وبدون معالجة صحفية معمقة تكشف الحقيقة وتساعد على الحد من ظاهرة أخذ القانون باليد، وقتل المرأة لمجرد الشبهة والظن. أول الأسباب عدم تعاون الأهالي مع هذه الوسائل خوفاً من “الفضيحة”، حيث تقتصر وسائل الإعلام على تغطية القضية على شكل خبر في صفحاتها الداخلية نتيجةً لنقص التفاصيل التي تمهد للتحقيق في الموضوع بشكل أوسع.
والأهل، ورغم قسوة ما يقترفونه بحق المرأة، إلا أنهم يعتبرون التخلص منها، وإن كان لمجرد شك في عقولهم، غسلاً لعار كان من الممكن أن يلتصق بنسائهم جميعاً أبد الدهر.
والإعلام الفلسطيني يعتبر –خطأ– أن تبني قضايا قتل النساء على خلفية الشرف نوع من أنواع التشهير والإثارة لخلق البلبلة في الشارع، ولا يحاول أن يساعد على ايجاد نوعً من أنواع العلاج لقضية كانت ولا زالت تنهش عقول أبناء الشعب الفلسطيني وتسبب فقدانه الكثير من النساء دون وجه حق أو دليل.
وواقع قضايا قتل المرأة على خلفية الشرف في الإعلام يتحدث عن تحليل الصحفي وإسقاطه رؤيته للمرأة على أنها المجرمة، الشيطان، المحرضة دائماً على الجريمة، فالمرأة كما تظهر في معظم التغطيات هي السبب والدافع للجريمة، ومن ثم تستحق ما يحدث لها من عقاب. وهذا نوع من أنواع العنف ضد المرأة يتبناه الإعلام الذي لطالما نادى بحريتها.
وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة قتل النساء ازدادت في السنوات الأربع الأخيرة، وتنامت في فلسطين مع تصاعد ظاهرة الانفلات الأمني في الأراضي الفلسطينية، وذلك بعد قيام الفصائل بأخذ القانون باليد في عملية قتل لمن يشتبه بتعاونهم مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل تقاعس السلطة عن اعتقال العملاء.
ويستطيع المرء أن يجمل مجموعةً من العوامل التي ساهمت في تقصير وسائل الإعلام الفلسطينية في معالجة قضية قتل النساء على خلفية الشرف وهي:
تحفظ الأهل على الكثير من التفاصيل المهمة في القضية والتي من شأنها أن تضع الصحفي المسئول عن تجهيز المادة في صورة الحدث وتساعده على الحكم، وبالتالي صياغة مادته بالاعتماد على الحقائق والتفاصيل المؤكدة.
عدم التعاون بين الجهات الأمنية ووسائل الإعلام، وسواد روح الهزيمة لدى معظم الصحفيين الذين اعتادوا على نمط معين في التغطيات، وخصوصاً تلك التي تعتمد على الاتصالات الهاتفية، دون تكلف عناء البحث والتمحيص.
الروح الحزبية السائدة في معظم وسائل الإعلام تعتبر صاحبة الفضل في التغطية على أخطاء بعض المنتمين إليها فيما يتعلق بهذه القضية وسوق التبريرات لما يفعلون.
إتباع الأسلوب الخبري في تغطية مثل هذه القضايا والتي من شأنها إيراد الحدث كما حدث، دون أن يكون هناك أي دور للصحفي أو للوسيلة في توجيه القضية نحو العلاج، أو بمعنى آخر يخرج الموضوع للعيان كمعلومات وحسب، ولا تساعده التفاصيل على اتخاذ موقف من القضية.
المتتبع للأخبار التي تعرض قضايا قتل النساء على خلفية الشرف يرى أن الوسيلة الإعلامية تلقي اللوم دائماً على المرأة، لا بل وتجعل خطأها أمراً مفروغاً منه رغم عدم وقوفها على أدلة.
غياب الوعي المجتمعي، وتشوه الوعي الديني في ثقافة المجتمع السائدة، والتي تجرم المرأة لمجرد الشبهات، ولا تأخذ حتى بضوابط الشرع، ساهم في دعم الإعلام للسير في الطريق الخاطئ في تغطية القضية، محتمياً بذلك بالقانون والمجتمع الذي يدين التعرض لمثل هذه القضايا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في القضاء والمحاكم، وليس في الإعلام وحده، فالرجل إذا عرف عن زوجته خطأها فقتلها لحكم عليه بالسجن لمدة أشهر لا تتعدى الستة، بينما لو كانت المرأة صاحبة الموقف وقتلت زوجها لحكم عليها بالسجن المؤبد وربما الإعدام. ولو لم يكن الإعلام موافقاً على ذلك لما صمت كل هذا الوقت، ولنادى بالتغيير والانصاف.
الإعلام الفلسطيني خصوصاً، والإسلامي عموما، لا يهتم بقضايا المرأة بمجملها، وإذا صدف وتعرض لقضية قتلها على خلفية الشرف فإن جل همه يتركز في معرفة التهمة والترويج للحدث فقط.
وبعد تشخيص واقع موقف الإعلام الفلسطيني “القاصر” تجاه قتل النساء على خلفية الشرف دون دليل أو تثبت، يمكن القول إن على وسائل الإعلام الاحتكام إلى قاعدة “إذا كنا لا نستطيع أن نصنع نصراً فيجب ألا نصنع هزيمة.” ولذا يمكن اعتبار هذه الورشة بمثابة خطوة لن تقلب الموازين ولكنها ستؤدي دوراً في ذلك. ويتلخص الموقف المطلوب بما يلي:
ما يدعو للقلق البالغ ازدياد حدة ظاهرة قتل النساء على خلفية الشرف أو قتلهن على خلفيات أخرى ونسبها إلى الشرف للتخفيف من وطأة الحكم القانوني على مرتكب الجريمة. ولذا، يجب أن يتخذ القانون موقفاً حازماً تجاه هذه القضية، والتثبت قبل إصدار الأحكام لضمان عدالة العقاب الذي يحل بالقاتل.
وسائل الإعلام بأنواعها المسموعة والمرئية والمكتوبة مطالبة بدعم قضايا المرأة على وجه العموم، والمساعدة على تنوير الرأي العام فيما يتعلق بضرورة تطبيق القانون على الجميع، ومن قبل الجهات المختصة، بما في ذلك تطبيق القانون في قضايا الشرف خصوصاً، وضرورة عدم تقبل المواطنين قتل المرأة على أيدي أقاربها، وعلى اساس الشبهة والشك.
وثمة حاجة لعقد ورش عمل للصحفيين الناشئين لتوعيتهم بهذه القضية، والالتزام بالندوات الدورية التي من شأنها أن تدفع الإعلام الفلسطيني إلى إيجاد الحلول المناسبة للحد من انتشار هذه الظاهرة، وضرورة التوعية الدينية لأبنائه بشكل يسهم أيضاً في ذلك.